الأحد 2020/03/01

في حال سقوط الأسد.. هذا ما ينتظر سوريا ومناطق أخرى

لا نعلم بالضبط إلامَ استند بشار الأسد حين أطلق تهديداته مطلعَ الثورة السورية بإحراق المنطقة كلها، وتأكيده أن "الزلزال" في سوريا سيطال محيطها وأبعد من ذلك.

منذ الأيام الأولى لاندلاع شرارة الثورة الشعبية ضد حكم آل الأسد ونظامه الدموي، خطّ عناصره على جدران المدن المنتفضة "الأسد أو نحرق البلد"، ويبدو أن مدلول "البلد" لم يكن مقتصراً على سوريا وحدها، بل إن حرائق نظام بشار فاقت بكثير حرائق نظام أبيه في سوريا ومناطق أخرى.

بنظرة سريعة على خارطة التوترات العربية والدولية، نجد أن نظام دمشق متورّط بشكل مباشر أو غير مباشر في ملفات يتجاوز تأثيرها حدود سوريا، في ظل تردّد دولي مريب عن ردعه.. كيف لا وبشار يحفظ جيداً كلمات أبيه حين قال: " نحن نجيد اللعب على حافة الهاوية، وإن سقطنا لا نسقط إلا فوق جثث أعدائنا"!.

من سوريا إلى العراق وتركيا، ولبنان بطبيعة الحال، وصولاً إلى القارة الأوروبية ومناطق أخرى، تَظهر أصابع نظام الأسد "الماهرة" في تقنية "خلط الأوراق". والسؤال الآن: ما الذي يمكن أن يتغير في تلك البلدان فيما لو سقط بشار أو قتل؟

في سوريا، وهي بالتأكيد صاحبة الجزء الأكبر من إجرام الأسد، سيتوقف شلال الدم المتدفق منذ 2011، وسيحظى السوريون بحق تقرير مصيرهم بعيداً عن القمع وحكم العائلة الواحدة، وسيعرفون جيداً كيف يتجاوزون عهد آل الأسد الذي حوّل البلاد إلى مزرعة خاصة تعجّ بالطائفية والفساد والقمع، ولا بد أن العقوبات الدولية المفروضة على سوريا ستُلغى تلقائياً مع زوال سبب فرضها، ما ينعكس على معيشة السوريين الذين دفعوا ثمن بقاء الأسد من دمائهم ولقمة عيشهم.

من جانب آخر، أقرّت واشنطن في أكثر من مناسبة أن بشار الأسد كان بمثابة "المغناطيس" الجاذب للجماعات الإرهابية والمتطرفة، ولا بد أن سقوطه سيُفقد تلك التنظيمات ورقتها الرابحة وصانعها العتيد.. لن يكون فوق التراب السوري أي وجود لتلك التنظيمات التي عاشت وتغذّت على يد نظام طالما كان معروفاً بصناعة الإرهاب العابر للحدود، كورقة يضمن بها وجوده ويفاوض بها "الأعداء".

توقفُ حمام الدم في سوريا سينعكس بشكل فوري على أزمة اللاجئين المنتشرين في دول الجوار والقارة الأوروبية.. جميعهم يرفض بشكل قاطع العودة إلى سوريا طالما بقي هذا النظام على قيد الحياة، ومع زوال سبب هروبهم من بلادهم، فإن أكثر من 6 ملايين لاجئ سيعودون بشكل تلقائي، ومع عودتهم تكون الدول المضيفة قد تخلصت من عبءٍ فرضه عليها نظام الأسد وحليفه الروسي.

الجارة الشمالية تركيا ستحقّق ثلاثة مكاسب في وقت واحد: التخلص من نظام اعتبرته أنقرة منذ القديم من أكبر الأخطار التي تهدّدها، والتخلص كذلك من "حزب العمال الكردستاني" الذي أوغل بدماء الأتراك منذ السبعينات حتى الآن بدعم ورعاية وتمويل وتدريب حافظ الأسد وابنه بشار، بالإضافة إلى حلّ إشكالية نحو 4 ملايين لاجئ يقيمون على الأراضي التركية.

تأثير التخلّص من الأسد سينعكس بشكل سريع على أوروبا، أولاً من خلال ملفّ اللاجئين الذي يؤرّق القارة العجوز منذ عدة أعوام، وثانياً من خلال التخلص من التهديدات الإرهابية التي يرعاها الأسد هناك. وهنا يجب أن يتذكّر العالم جيداً تهديدات "مفتي الأسد" بدر الدين حسون، بإرسال "استشهاديين" إلى المدن الأوروبية بغرض "الثأر والانتقام".

وبالعودة إلى لبنان، البلد الذي عانى على مدار عقود من "إرهاب" نظام الأسد، فإن  سقوط هذا النظام سيُتيح للبنانيين كذلك التخلص من عبء جار دموي أذاقهم الويلات منذ تدخله هناك بموجب "اتفاق الطائف" 1989. سيتخلّص لبنان تلقائياً من هيمنة إيران وحزبها الأصفر، ولن تكون "إصبع" حسن نصر الله حاجزاً أمام حكومة تحقق مطالب اللبنانيين وحقهم بالحياة الكريمة، إضافة إلى أن سقوط الأسد سينهي ارتهان لبنان لمبدأ "التوازنات الإقليمية والدولية" الذي يفرض عليه أن يكون مقسماً بين أذرع إيران وأذرع السعودية.

أما بالنسبة للعراق، فلن تعود سوريا ثقباً أسود يبتلع آلاف المقاتلين القادمين تحت شعار "حماية العتبات المقدسة" لمنع سقوط نظام طائفي معروف بسياسة إيذاء الجوار، ومن ينسى الاتهام المباشر من رئيس وزراء العراقي "نوري المالكي" للأسد بإرسال الملغمات وسيارات الموت إلى كافة المدن العراقية بعد مدة وجيزة من الغزو الأمريكي عام 2003؟

إيران ستخسر بسقوط غلامها في سوريا أهم أوراقها بالشرق الأوسط، ما ينعكس بشكل مباشر على نفوذها في كل من العراق واليمن ولبنان، وينعكس كذلك على مسار الضغوط عليها لإيقاف دعم مليشيات الموت التي تمولها وتستخدمها لإشعال المنطقة.

الحديث عن آثار سقوط الأسد يعرفها المجتمع الدولي جيداً مثلما يعرفها السوريون، ولا بدّ أن تزول أسباب التمسّك به وترك الانقياد لروسيا في المحافظة على نظامه.