الأثنين 2019/02/04

عناصر “التسوية” ذخيرة الأسد القادمة.. يفجر بها أم تنفجر عليه؟

مع بداية تحول الثورة السورية إلى الجانب العسكري المسلح طرأت تغييرات عاصفة في بنية جيش النظام مع حملة الانشقاقات التي حصلت في جميع المحافظات السورية، حيث انشق عشرات الآلاف من مقاتلي قوات النظام وانضموا لصفوف الجيش الحر وبقية الفصائل العسكرية، ما شكل ضعفا كبيرا لدى جبهات النظام وأدت لخسارته رقعة واسعة من الجغرافية السورية.

الهزات البنيوية في جيش النظام دفعته إلى استئجار مليشيات مسلحة و السماح لإيران وأذرعها بالتدخل البري على الأرض في سوريا، وكانت المليشيات الإيرانية الورقة الرابحة في حرب الأسد ضد المناطق المحررة، حيث بات يعتمد عليها بشكل أساسي، ولم يكن باستطاعة قواته خوض أي معركة بدون الاعتماد على المليشيات الإيرانية، وقد شهدنا ذلك في معارك إعادة حصار أحياء حلب في العام 2016.

لكن وفي نفس الوقت فإن المليشيات الإيرانية لم تكن لديها قوة كبيرة تجعلها بمثابة الند للجيش الحر والفصائل العسكرية في سوريا، لذلك كان الطيران الروسي هو ما يمنحها الأفضلية على الأرض ويجعلها تتمكن من التقدم بفضل سياسة الأرض المحروقة التي تتبعها قوات الاحتلال الروسي ضد المناطق المحررة.

نتج عن حرب الأسد الطائفية ضد السوريين حصار عشرات المدن والقرى والبلدات في مناطق عديدة في سوريا، أبرزها الغوطة الشرقية والغوطة الغربية والقلمون الشرقي والتل ومناطق غرب دمشق وريف حمص الشمالي وأحياء حلب الشرقية، أدت سياسة الحصار إلى إجبار الفصائل العسكرية على توقيع اتفاقات "تسوية" تقضي بخروج من لا يقبل بها إلى الشمال السوري، وبقاء من يقبل بها ليكون ضمن صفوف قوات النظام، وقد كان بعض قادة الفصائل الخونة هم من يدعمون تلك الاتفاقات، ما تسبب بتسليم المدن على طبق من ذهب لقوات الأسد. لكن هل الأمر اقتصر فقط على منح الأسد أفضلية في السيطرة على المنطقة، بالتأكيد: لا، والسبب أن عشرات آلاف الشبان وقعوا ضحية تلك الاتفاقات التي مهدت لشكل جيش الأسد الجديد في المستقبل بعدما كان يعتمد بشكل أساسي على المليشيات الإيرانية والروسية المختلفة الولاءات.

ومع التحولات والتفاهمات المعلنة وغير المعلنة بعد سنوات من تدخل روسيا وإيران في سوريا ووجود شبه استقرار، كثر الحديث عن مصير القوات الإيرانية في حال تم التوافق على إخراجها من سوريا، الأمر الذي سيترك فراغا كبيرا بجيش الأسد يبدو أن روسيا تدركه وتحاول ترميمه بتشكيل وتقوية الفيلق الخامس الذي يقوده سهيل الحسن.

يقول الخبير العسكري والاستراتيجي العقيد "هيثم إدريس" في حديث مع قناة الجسر حول هذا الموضوع إن "الخسائر البشرية التي تكبدها جيش النظام من قتلى ومنشقين ومتخلفين عن الخدمة الإلزامية قد قسمت ظهره وجعلته عاجزا عن ترميم نفسه واستعادة قدرته القتالية خاصة بسبب الخسائر البشرية التي منيت بها حاضنة النظام ومؤيديه ". ويضيف إدريس "هكذا كانت مناطق التسوية والمصالحات عبارة عن خزان بشري جديد لسوق أبنائها إلى صفوف جيش النظام وزجهم على الخطوط الأولى في الجبهات الساخنة ليكونون في قلب المحرقة وليقتصد النظام من زج أبناء مواليه على خطوط الجبهات".

إذن لا توجد أي أسباب أو دواع إنسانية في إجراء المصالحات بالمناطق التي كانت خارجة عن سيطرة النظام، إذ إن النظام كان عاجزا من جهة عن السيطرة على تلك المنطقة فاتخذ هذا الأسلوب مع حلفائه للسيطرة، ومن جهة أخرى كان الهدف البعيد وغير المعلن من المصالحات هو الشبان الذين يسكنون في المناطق التي كانت خاضعة للجيش الحر، ومن المعلوم أن عددهم يفوق مئات الآلاف إذا ما تم إحصاء جميع المناطق التي أجرت اتفاقات تسوية.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل يمكن أن يكون هؤلاء المقاتلون الذين أجروا اتفاقات تسوية بديلا للمليشيات الإيرانية في حال تم طردها من سوريا أو تم الاتفاق على تحجيمها كما يجري حاليا (إن صحت الأنباء) بمناطق ريف حماة الغربي حيث تحاول روسيا تجحيم الفرقة الرابعة المدعومة من المليشيات الايرانيه؟ .

يقول العقيد "هيثم إدريس" عن ذلك الموضوع إن "روسيا فقد استشعرت خطر ما يقوم به الإيرانيون بإنشائهم تشكيلات عدة، فقامت هي الأخرى بتشكيل الفيلق الخامس ليكون قوة بشرية موالية لها على الأرض، وأعادت تشكيل الفرقة الثالثة بما يتناسب مع هدفها لتكون العاصمة دمشق بين فكي كماشة روسية من الجنوب "الفيلق الخامس" ومن الشمال والشرق "القرقة الثالثة"، وذلك تحسبا لأي عمل عسكري موال لإيران فيما إذا فكرت مليشياتها السيطرة على دمشق عسكريا "

ويضيف "إدريس" "لدى كل من الطرفين (روسيا وإيران) التوجس نفسه من سيطرة الطرف الآخر على العاصمة، وبنفس الوقت تريد روسيا من القوة الموالية لها أن تكون جاهزة للسيطرة على البلد عسكريا إذا ما نجحت بمفاوضات سوتشي ووضعت الدستور الذي يناسبها وحازت على الدعم الدولي لذلك مع موافقتها على إخراج الإيرانيين والموالين لهم من سوريا نزولا عند رغبة أمريكا ".

في تلك الحال سيتشكل فراغ لافت بجيش النظام وسيكون قوام الجيش الفيلق الخامس الذي يعتمد بصورة أولى على أبناء المصالحات الذين كانت بنادقهم في يوم من الأيام موجهة ضد قوات نظام الأسد، ويتوقع العديد من المحللين عدم حدوث توافق بين أبناء المصالحات ومليشيات الأسد في حال تم انتهاء الحرب فعليا وقبل كل طرف من الأطراف الحالية بخرائط السيطرة الحالية، فهل تكون التشكيلات التي عملت روسيا على تعزيزها في يوم من الأيام وبالا على النظام وتحدث هزة كبيرة تعصف بجيش الأسد أم إن النظام يدرك مثل التحركات ويعمل الآن على إنهاء رؤوس المصالحات و كل خائن تواصل معه وسهل سيطرته على منطقة من مناطق المصالحات؟