الأثنين 2016/07/18

عملاء بلا حدود (1)

في مسيرة كل أمة توجد انتكاسات تتمثل بقضية العمالة والتجسس، وفي عصرنا الحديث شهدنا قضايا عدة حول ملف العملاء أنفقت فيه الدول ملايين الدولارات إما لتطويرهم أو كشفهم، ولاسيما ما حدث مع إدوارد سنودن العميل الأمريكي الذي سرب برنامج التجسس بريسم للصحافة.

والملاحظ في هذا الملف هو انتقاله إلى الصحافة والصحفيين، حيث أصبحت منطقة الشرق الأوسط مقبرة لمئات الصحفيين بحجة عمالتهم لفئة أو طرف معين، فتنظيم الدولة أعدم العشرات بتهم عدة، أهمها إعطاؤهم مواقع وإحداثيات للتحالف أو النظام تسهم في استهداف التنظيم، فيما قام نظام الإجرام السوري بقتل واستهداف الصحفيين بحجة مناصرتهم للإرهابيين الذين يخيفون بشار الأسد ومن والاه، بل يتعدى ذلك إلى رصد مبالغ مالية للقبض عليهم، في انتهاك صارخ لكل المبادئ والأخلاق الإنسانية.

إصدار برسم الخوف:

لم يعد مشهد قطع الرؤوس غريبا على من يتابع أخبار تنظيم الدولة ، فمنظر الموت والدماء اصبح ديدن من يدّعون الإسلام ويريدون تطبيقه بحد السيف او فلنقل بحد الصواريخ ورصاص البنادق بما اننا نعيش في القرن 21 ، لا تستحي هذه الفئة من ان تحمل ما اخترعه الكفرة وصنعوه لتحارب به أبناء جلدتها وحتى إخوتها في الدين، لطالما انهم يعارضون سياستها المبنية على القتل والإفساد في الأرض.

سياسة للتنظيم سعت إلى هدم كل فكر يناقضه أو يخالفه، فلم نر على مدى السنوات الثلاث الماضية من عمر التنظيم وسيطرته على شرق سوريا وغرب العراق ، لم نر أي منظر حضاري أو إنساني ، فجلُّ ما نشاهده هو إهانة الانسان واحتقار المرأة وعودة ملف العبودية والاستغلال وكأننا نعيش في عهد ما قبل الإسلام.

وحي الشيطان:

فيديو للتنظيم يظهر فيه مقتل 5 صحفيين من أبناء ديرالزور ، بحجج عدة أهمها إعطاء صور وإحداثيات لراكبي الدراجات النارية والهوائية وبائعي البطاطا والخضراوات الذين يعيشون في مناطق التنظيم، وتلقي مبالغ مالية بالدولار طبعاً، فيما التنظيم يُسمحُ له فقط بتداول هذه العملة التي اخترعها الكفرة الأمريكان.

يبدأ أعداء الإنسانية إصدارهم بجملة: " لدينا جهاز أمني محترف مؤيد من الله، لن تستطيعوا اختراقه" .. وهل يوجد بالعالم كله جهاز مخابرات مؤيد من الله، ولطالما أن الله يخبرهم بكل شيء فلم المخابرات أصلاً.

(وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق).

لكن ليظهر الله كذبهم وادعاءهم فلم تمض سوى أيام قلائل حتى رأينا كيف اخترق جهاز مخابراتهم الرباني، حينما استهدفت غارات للطيران الأمريكي وزير دفاعهم أبو عمر الشيشاني وأردته قتيلاً


يمضي الإصدار في تبرير فعلته باعترافات وهمية أخذت تحت الضغط والتعذيب، الأمر الذي أكده لي أحد إخوة المغدورين، واصفاً سجون التنظيم بانَّها لا تختلف عن سجون النظام قيد أنملة، بل على العكس فهم يخترعون أدوات ووسائل التعذيب كما يخترعون طرق الإعدام.

وحيُ الشيطان عنوانٌ يشبه أصحابه، استمده هؤلاء القتلة من آية قرآنية من سورة الانعام مقتطعين نصفها ومحورين معنى الآية إلى ما يبغيه تفكيرهم المريض، فالآية الكريمة هذا نصها: " ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون ".(121). طبعا الآية مكية وجاءت في معرض أكل لحم الميتة ولا علاقة لها بما استخدمه التنظيم لتبرير القتل ، كما أن محمد بن عبد الوهاب الذي ذكروه في إصدارهم، وادعوا أنه شيخ الإسلام معتمدين على فتوى له لقتل الصحفيين، هو نفسه صرَّحَ في فتاواه بحرمة دم المسلم والتماس الأعذار عندما يتعلق الأمر بقتله، فتأمل.

وفي ختام الإصدار يتباهى التنظيم بوضع صور للقادة الذين اعتبرهم أعداء له، ومن يتأمل هذه الصور سيفاجأ بأن قادة ايران وإسرائيل غير موجودين فيه وللقارئ إيجاد التفسير الذي يريده؟!!.

إعلاميون على مشنقة الحقيقة:

رحم الله من مات مظلوماً مقهوراً مغلوباً على أمرِه، خُدعَ الصحفيون (مصطفى حاسا، محمد الحمصي، محمود شعبان، سامي السيد رباح، سامر خليفة) وتمَّ إعطاؤهم الأمان إذا ما قاموا باعترافات كاذبة، وبالطبع تم إظهارهم على أنهم اعترفوا بمحض إرادتهم، بعد حلق لحاهم لسبب مجهول.

من ناحيتهم.. أهل وأصدقاء المغدورين كان لهم رأي آخر سنورده بتفصيله في مقالة لاحقة لكنني أؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنهم أبرياء، دفعوا عمرهم وحياتهم ثمنا لإظهار الحقيقة، التي غابت عن قلوب وصدور قوم مفتونين..