الخميس 2016/06/16

على أسوار الفلوجة هبّت رياح الطائفية

بعد التحضير لمعركة الموصل والبدء في تنفيذ خطة الهجوم انقلبت الأولويات نحو مدينة الفلوجة تلك البلدة التي قاومت الاحتلال الأمريكي وأذلته وترابطت في مقاومتها مع مدينة الصدر؛ تلك المدينتان اللتان صبَّ الاحتلال جام غضبه عليهما.

انتهاك واضح تمثل في فتح معركة الفلوجة هذه المعركة التي يحاول الحشد الطائفي أن يكون طرفاً رئيسياً فيها ضد مدينة متهمة بالأصولية على الرغم من أنها كانت البلد المقاوم للاحتلال.

سؤال تبادر إلى الأذهان حول ما هي الأسباب التي فرضت فتح معركة الفلوجة، فمن الواضح أن الصراعات الداخلية هي التي فرضت هذه المعركة حيث يتصاعد الحراك الشعبي ضد الحكومة والعملية السياسية والتدخل الإيراني الذي توسع كثيراً بعد أن دخل التيار الصدري على خط الصراع حيث دعم إحداث تغيير حقيقي في اجندة الحراك الشعبي الأمر الذي يضعف التحالف الشيعي المسيطر على الدولة.

حراك شيعي أريد له أن يدفن تحت مسميات وادعاءات عديدة يحاول الحشد الطائفي أن يكون هو عراب هذه المرحلة المهمة من تاريخ العراق فمع تزايد التصريحات غير الرسمية التي تؤكد الدور الإيراني في المعارك التي جرت وتجري في المناطق السنية في العراق منذ ما يقارب السنتين وهو ما أكد عليه وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري لينهي الجدل الواسع حول وجود الجنرال الإيراني قاسم سليماني في العراق مؤكداً عمله مستشاراً عسكرياً لدى حكومة بغداد.

سيناريوهات عديدة تُكتب لتخريب الحراك الشعبي سواء بإعطاء الأولوية للحرب ضد تنظيم الدولة كما تفعل أمريكيا وروسيا وبالتالي صرف الأنظار عن الصراع الفعلي الذي يهدف إلى إطالة العملية السياسية في سياق محاربة الفساد وإنهاء المحاصصة الطائفية وكذلك استعادة الشحن الطائفي والسعي إلى ضبط الشيعة تحت المظلة الإيرانية بعد أن خرجت بعيداً عنها بل وطالبت برفض التدخل الإيراني.

محاولة لاستغلال البيئة الشيعية كغطاء أيديولوجي لسيطرة فعلية طويلة الأمد وما ظهر ويظهر في معركة الفلوجة هو ترجمة لتلك الحقائق المراد منها إطالة أمد الصراع فالفعل الطائفي الذي مارسه الحشد من قتل وتعذيب واعتقال ضد أهالي الفلوجة الذين نزحوا وفق طلب الحكومة أظهر جلياً أن القتال هو قتال بين شيعة وسنة.

حقيقة جلية اعترفت بها حكومة بغداد التي أكدت على الدور الإيراني من خلال وجود قائد إيراني متهم دولياً بالإرهاب مستشاراً في مكتب رئيس الوزراء مما يشير إلى دلالات كثيرة أهمها إعلان إيران طرفاً رئيسياً في تثبيت مشروع الدولة الشيعية المطلقة في العراق استغلالاً لموقف أمريكي ضعيف أو متواطئ ربما في توقيت طالما اعتمدته إيران لفرض واقع ما خلال الفترة الباردة لانتهاء ولاية أي رئيس أمريكي وبالتالي تثبيت مناطق نفوذها كدولة إقليمية في ظل اتجاه إقليم كردستان إلى إعلان دولته بحدود يبدو أنها لا تكون ضمن حدود الإقليم الحالية مع مراعات التغيير المتوقع للمناطق في العراق وسوريا بعد تحرير الرقة والموصل.

موضوع غاية في الأهمية ومثير للجدل فمعركة تحرير الفلوجة والثقل الإيراني والميلشيات التابعة له في سير العمليات وأسلوب القصف والاستخدام المفرط للقوة التدميرية إضافة إلى عمليات قتل وتعذيب ممنهجة تجاه المدنيين الفارين من قبضة تنظيم الدولة حيث إن الروايات التي ينقلها الناجون من أهالي المدينة تحدثت عن تعرضهم للضرب والتعذيب والطعن بالسكاكين في سلوك يدل على منهجية استهداف وترهيب العرب بالاسم بغرض إذلالهم ودفع الناجين منهم مبالغ مالية للنجاة بحياتهم.

أحاديث وروايات كثيرة باتت تتكشف عن تزايد وتيرة الأعمال الانتقامية البشعة ضد المدنيين من أبناء الفلوجة أو النواحي المحيطة بها سواء بالقصف العشوائي المكثف على المدينة أو في إعدام ميليشيا الحشد الطائفي لعشرات وربما المئات من المدنيين الذين فروا من بطش الحقد الطائفي الذي لم يتركهم حتى وهم على دروب النزوح الأمر الذي يكشف جلياً الحقيقة الكامنة وراء زج الحشد الطائفي في هذه المعركة التي بات عنوانها الطائفية.

حقائق عديدة قد تتكشف في الأيام القادمة فمعركة الفلوجة هي بمثابة دفة القيادة التي ستغير مجرى الاحداث في العراق ككل وما الحديث عن معركة الموصل في العراق والرقة في سوريا إلا بمثابة تمهيد لما سيسبق هذه المعرك التي بات لونها الوحيد هو الطائفية ففي الرقة تسعى المليشيات الكردية للسيطرة على المدينة مدعومة من التحالف الدولي وروسيا في حين تسعى روسيا مع الأسد للسيطرة على مدينة حلب بشتى الوسائل وما الاجتماع الثلاثي الذي جمع وزراء دفاع سوريا وروسيا وإيران في طهران إلا دليل على الاستعداد للمرحلة التي قد تسبق وتلي معركة الرقة والموصل .

في حين تبقى مدينة الفلوجة التي يعتبرونها معقل لتنظيم الدولة مرمى لسهام الغدر الطائفي الذي تمارسه ميليشيا الحشد الطائفي لكن كل هذا لا يصرف الأنظار عن أن معركة الفلوجة هي نقطة البداية في مسار تغيير استراتيجي قد يقود العراق إلى مفترق طرق يجعل اللعبة الجيوسياسية قريبة من النهاية خاصة مع اقتراب موعد مغادرة الرئيس الأمريكي للبيت الأبيض حيث ستظل الأوراق السياسية في المنطقة مبعثرة حتى يفتح البيت الأبيض أبوابه لرئيس جديد يأخذ على عاتقه قيادة اللعبة القادمة.