الأحد 2020/08/02

عقوبات “قيصر”.. إسقاط الأسد أم القضاء على بقية السوريين؟

على الرغم من "الآمال الكبيرة" التي علّقها السوريون على "قانون قيصر" الأمريكي ضد نظام الأسد قبل تفعيله منذ نحو شهر ونصف، إلا أن الواقع يقف على عكس تلك "الآمال" في دفع "الديكتاتور السوري" إلى القبول بحل ينهي مأساة يقارب عمرها على بلوغ عشر سنوات.

لا شكّ أن عدداً لا يُستهان به من "المتشائمين" لم يلقِ بالاً للقانون الأمريكي الجديد، إلا أن غالبية السوريين "وغير السوريين" تحدثوا عن "تغير كبير" في مسار الملف السوري سيحدث بعد تفعيل القانون، واللافت أن معظم هؤلاء "المتفائلين" باتوا اليوم "أقل تفاؤلاً" نتيجة لعدة معطيات.

1- تأثير "بعيد الأمد":

بعد أيام من صدور "قانون قيصر" الذي يفترض أنه جاء "لحماية المدنيين السوريين" ومعاقبة نظام الأسد على انتهاكاته منذ 2011، صرح مسؤولون أمريكيون بأن تأثير القانون سيكون "بعيد الأمد".

وعلى سبيل الفكاهة قال بعض السوريين : إذا كانت عبارة " أيام الأسد معدودة" في تصريح أوباما الشهير عام 2012  استغرقت حتى الآن ثماني سنوات، فكم ستكون مدة "بعيد الأمد"؟

خلال بضع سنوات صمَت العالم أجمع عن مقتل نحو مليون سوري، وتهجير نحو سبعة ملايين، خارج البلاد، ول يزال عداد القتل والتهجير مستمراً "وإن كان بوتيرة أخف"، فما معنى أن يكون التأثير "بعيد الأمد"؟

ما يبدو الآن على أرض الواقع أن التأثير في بنية نظام الأسد سيكون حرفياً "بعيد الأمد"، وهذا ما لا يهم النظام من قريب ولا بعيد. أما التأثير "المباشر" فقد ظهر جلياً على حياة السوريين بكافة أطيافهم، سواء الذين بقوا في مناطق سيطرة النظام، أو الموجودين في المناطق الخارجة عن سيطرته، فخلال أسابيع قليلة ظهر ذلك التأثير جلياً في حياتهم اليومية، وعلى الرغم من أنهم يقاسون سوء الأوضاع الاقتصادية منذ سنوات، إلا أن وتيرة الغلاء والاستغلال والحرمان والجوع صارت أكثر وضوحاً مع العقوبات الأمريكية، حتى إن بعض الذين تفاءلوا بالقانون قبل صدوره، باتوا يرون أن الغاية منه ليست إلا القضاء على ما تبقى من الشعب السوري.

2-دعم الحلفاء المعلنين وغير المعلنين:

رغم أن الولايات المتحدة شددت على أن العقوبات ستطال كل من يدعم نظام الأسد من دول وشركات وأفراد، إلا أن إيران وروسيا أعلنتا بشكل صريح أنهما ستواصلان دعم الأسد، ولا سيما أن الدولتين تخضعان أساساً لعقوبات أمريكية وغربية، فما الذي سيتغير إذاً؟

هذا بالإضافة إلى أن ثمة دولاً دعمت الأسد "من تحت الطاولة" منذ سنوات، وشكلت شرياناً اقتصادياً غنياً لإمداده بالقطع الأجنبي والمشتقات النفطية عن طريق الالتفاف على العقوبات، مثل دولة الإمارات، فهل سنقرأ عن عقوبات أمريكية تشمل "أبو ظبي"؟.. الأمر مستبعد بشكل واضح، ويبدو أن العقوبات لن تشمل أكثر من دائرة الدول التي تعلن تحالفها مع الأسد منذ سنوات، ولا تزال تستخدم حق الفيتو في مجلس الأمن لتعطيل كل ما يمكن أن يؤثر على بقاء الأسد، ومثل ما ذكرنا فإن تلك الدول تخضع أساساً للعقوبات التي لم تؤثر فيها ولم تدفعها لتغيير سلوكها.

3-تجارب العقوبات السابقة على النظام:

صحيح أن الولايات المتحدة وصفت العقوبات الأخيرة بأنها "الأكبر والاقسى"، إلا أن

نظام الأسد يتعرض في الواقع منذ العام 2012 لعقوبات أمريكية غربية، ربما نجحت في جعل الاقتصاد السوري في حالة "موت سريري"، وربما نجحت في تخفيف موجة "التطبيع" مع الأسد، إلا أنها لم تنجح نهائياً في تحقيق ما يصبو إليه السوريون من التوصل إلى حل سياسي ينهي كارثة ليس لنهايتها حد واضح.

واجه النظام العقوبات الغربية منذ سنوات بعدم اهتمام، وكان صريحاً أن من دفع الثمن هو الشعب السوري فقط، أما النظام وأركانه وتجار حربه فحدث العكس تماماً، من كان يملك مئات الملايين صار يملك المليارات، حتى إن كثيراً منهم صار يتمنى عقوبات أكثر لتزداد ثروته بسرعة أكبر.

4-تجارب العقوبات "الفاشلة" في دول ثانية:

إضافة إلى ما ذُكر، يُفترض أن ننظر إلى العقوبات ضد الأسد في سياق عقوبات مشابهة فرضت سابقاً على بعض الأنظمة والدول، ولم تحقق أي نتيجة عادت بالخير على شعوب تلك الدول، وبقيت أنظمتها حاكمة حتى اللحظة مع وجود شعوب فقيرة كما في الحالة الإيرانية والفنزويلية، أو اضطرت واشنطن في النهاية إلى التدخل العسكري المباشر كما حصل في حالة نظام صدام حسين بعد 13 عاماً من العقوبات القاسية التي دفع ثمنها الشعب العراقي فقط.

خلاصة القول، أن تاريخ العقوبات الأمريكية عموماً، وفي سوريا خصوصاً، أثبت عدم جدواه في تحقيق غايات واشنطن المعلنة، سواء تجاه إيران أو فنزويلا أو روسيا أو كوريا الشمالية، ويُخشى من أن يصبح "قانون قيصر" كغيره من القوانين الأمريكية التي تأتي لتعاقب القاتل، فتقتل الضحية.