الأربعاء 2018/04/18

ضربات ترامب .. والمسرحية السخيفة

في الرابع عشر من آذار / مارس الماضي، وعندما كانت هجمات قوات النظام وحلفائه من الروس والمليشيات الطائفية على أوجها في مناطق الغوطة الشرقية لدمشق وجهت الولايات المتحدة رسالة تحذيرية إلى الثوار في جنوب سوريا (محافظتي درعا والقنيطرة) تحثها فيها على عدم القيام بأي عمل عسكري من شأنه إشغال النظام في جبهات أخرى وبالتالي تخفيف حدة الهجمات على الغوطة، وكان مما جاء في هذه الرسالة الخطيرة:

إن إشعال حرب الآن ضد نظام الأسد في الجنوب سيعطي النظام والاحتلال الروسي الذريعة المطلوبة لأن تقتلا المزيد من المدنيين وتحتلا المزيد من الأراضي، وتكسرا الهدنة التي من خلالها نستطيع أن نفاوض الروس من أجل الحل.

نعتقد أن لدى روسيا والنظام معرفة مسبقة بأن بعض الفصائل في الجبهة الجنوبية تجهز نفسها لعملية عسكرية، وهذا ما أدى إلى قصف طيران النظام اليوم كعملية تحذيرية .. وعليه فإننا نحثكم على ضبط الأعصاب، والتفكير مليا في أهلكم من المدنيين، وعدم إعطاء الذرائع لنظام الأسد لقصفكم والقضاء على آخر معقل للثوار في سوريا.

تمثل هذه الرسالة صورة واضحة للتواطؤ الأمريكي الروسي ضد الثورة السورية، حيث يمنع الأمريكيون الثوار في الجنوب السوري عن القيام بأي عمل مضاد للنظام ثأرا ونصرة للغوطة.

ثم بعد أيام يستطيع النظام وحلفاؤه السيطرة على الغوطة، ويمر ذلك كله وسط صمت عربي ودولي مخز، والولايات المتحدة لاتحرك ساكنا، ولما أن حدثت مجزرة الكيماوي في دوما بدأت ردات الفعل الغربية تجاه استعمال السلاح الكيماوي فقط ودون النظر إلى كل ما ارتكبه النظام من فظائع بحق الشعب بواسطة الأسلحة التقليدية.

يعلن "ترامب" الحرب على "الأسد": بدأ حشد الأساطيل والبوارج وبدأت الحرب الإعلامية على كل من النظام وعصاباته وروسيا .. اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي بالتغريدات والبوستات النارية انعقدت جلسات لمجلس الأمن شهدنا فيها تراشقات كلامية بين المندوبين وخاصة بين المندوبة الأمريكية والمندوب الروسي وتم تبادل التهديدات بين الروس والأمريكيين حتى أن بعض المراقبين بات يظن أن العالم أصبح على شفا حرب عالمية ثالثة.

تشكل تحالف دولي جديد ضم عددا من الدول أهمها بريطانيا وفرنسا يتطوع بعض العرب بالمشاركة في هذا الهجوم العسكري الساحق الماحق على نظام بشار الأسد، ويقوم الغرب بالمماطلة والتردد والتسويف وهو بذلك يعطي الأسد مزيدا من الوقت ليرتب أموره ويتخذ كافة الإجراءات المناسبة لحماية قواته وتهريب سلاحه ومسؤوليه إلى مناطق آمنة

وهكذا فقد بدأ السوريون يمنون أنفسهم أن ساعة الخلاص قد اقتربت مفترضين حسن الظن في هذا العالم البائس وذلك لما رأوه من هذه الحشود من القوات والأساطيل.

وعندما انتهى نظام الأسد والاحتلال الروسي من ترتيب أمورهما واكتمل التنسيق العسكري بين روسيا والغرب نفذ الغرب ضربته وليته لم ينفذها، وعوضا أن يحتفل السوريون بالخلاص فقد احتفل شبيحة "الأسد" بسلامة النظام وسلامة "قائد الوطن" بل وبالإنتصار على قوى العدوان الثلاثي على "سوريا الصامدة قلعة الممانعة " يستيقظ السوريون من حلمهم ليجدوا هذا الواقع المزري وتتكشف أمامهم وأمام أحرار العالم مجموعة من الحقائق المؤلمة والمخيبة للآمال:

- لم تحقق الضربة أي هدف مما كان يأمله السوريون منها بل كانت مجرد إلقاء لبعض الصواريخ والقنابل على أماكن يزعم الأمريكيون والغرب أنها أماكن لتصنيع السلاح الكيماوي وقد تم إفراغ هذه الأماكن من محتواها من قبل النظام في الوقت الممنوح له من قبل هذه الدول نفسها .

- لقد تم تنسيق كامل بين روسيا والدول الضاربة لنظام الأسد وهذا ما أكدته الخارجية الروسية إذ قالت: إن روسيا كانت على اتصال دائم مع تلك الدول طوال الفترة ما قبل الضربة.

- لقد تم إبلاغ روسيا عن موعد الضربة المحتملة وعن المواقع التي من الممكن ضربها وذلك لإخلاء المجال الجوي كي لاتحدث أية احتكاكات بين القوات الروسية المحتلة وبين القوى الغربية، كما تم إبلاغ كل من تركيا وإسرائيل بموعد الضربة قبيل تنفيذها .

- وبعد الضربة أكدت إيران وعلى لسان رئيسها "روحاني" الذي تحادث مع "الأسد" أنها ستزيد من حجم مشاركتها العسكرية مع النظام بغية إتمام "تحرير سوريا من القوى الإرهابية" وأنها ستدعم "الأسد" في مواجهته "لقوى الشر والعدوان".

- بدأ إعلام النظام وداعميه من الروس والإيرانيين وأذنابهم من المنظمات الطائفية  كمليشيا "حزب الله" بتسويق مقولة الصمود والممانعة في وجه "العدو الصهيوني" وذلك لكسب المزيد من التأييد من قبل الحاضنة الشعبية المخدوعة بهذه المقولة.

- أكدت الدول الغربية على أن هذه الضربة لاتستهدف إسقاط "نظام الأسد" وإنما تستهدف فقط منعه من استعمال السلاح الكيماوي ضد شعبه.

وهذا يعني أن هذا النظام مرخص له أن يقتل هذا الشعب بالطريقة التي يراها مناسبة له ولاضير عليه في ذلك طالما أنه لايستخدم الكيماوي.

- لقد بات السوريون اليوم مقتنعين أن هذه الضربة لم تكن أبدا نصرة لضعيف أو ثأرا من جريمة قد ارتكبت بحق شعب أعزل،وإنما كانت فقط من أجل القضاء على سلاح يعتقد الغرب أنه يمكن أن يشكل عليه خطرا في يوم من الأيام .

- لقد فاحت رائحة الابتزاز بكل أشكاله لعديد من الأطراف الإقليمية والدولية منذ اللحظة الأولى للحملة الإعلامية لهذه الضربة وحتى القيام بها وما بعد ذلك.

وبعد: فإننا اليوم نحن السوريين نجد أنفسنا أمام مسرحية قذرة يقوم بها المجتمع الدولي غير عابئ بدماء أطفالنا ولابحرمات نسائنا وحرائرنا مجتمع يعيش في كهف مصالحه المظلم وهو بذلك لاشك مشارك في الجريمة المرتكبة بحق شعبنا.

وأخيرا، أقول لأولئك الذين يمارسون طقوس الإنبطاح على أعتاب البيت الأبيض إنكم إذا كنتم تظنون أن سيد هذا البيت سينقذكم من المد الإيراني الفارسي الذي سيطال عروشكم وسيقض مضاجعكم إذا بقيتم على هذا الحال من الوهن والتردي.

إذا كنتم تظنون ذلك فأنتم تعيشون في وهم ،وخير دليل على ذلك هذه المسرحية التي رأيتموها ،وعليكم الآن أن تعودوا إلى رشدكم .


المصدر:الدرر الشامية