السبت 2018/10/06

صمت دهراً ونطق كفراً .. عن الرد “الغبي” لابن سلمان!

بعد أيام من السكوت المتواصل من الرياض على مسلسل الإهانات التي وجهها ترامب إلى العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، خرج وليُّ العهد محمد بن سلمان ليُفاجئ الجميع بمستوى الرد الذي قابل به إهانات ترامب لوالدِهِ، فبدلَ من أن يغضب لوالده بدا ممتنّاً لترامب إلى حد ما، حينما قال إنه يقبل النقدَ من الصديق والعدو، رغم أن حديث ترامب لم يكن فيه نقدٌ أو ذمٌّ ولا يحتملُ وجهَ النقد بأي شكل من الأشكال، فترامب في الأساس في معرض حديثه لم يناقش مثلاً أوضاعَ حقوقِ الإنسان بالسعودية أو أخطاء سياسة السعودية في الداخل والخارج، ذلك هو الذي يُسمى نقداً، وهو ما لم يتطرق له ترامب في جميع خطاباته، بل إن الأسطوانة التي درج عليها هي "ادفعوا.. ستسقطون في أسبوعين بدوننا.. لن تحتفظ يا سلمان بطائرتك بدوننا" لا أدري أين النقد في ذلك ؟.

سيل من التناقضات وقع فيها ابن سلمان، إذ إنه اعتبر مسألة كندا مسألةً مسّت الداخل السعودي، رغم أن كندا انتقدت السياسة السعودية، ما يعني أنه وفق كلام ابن سلمان كان يجب أن تقبل الرياض بنقد أوتاوا، ثم إن كان ابن سلمان صادقاً في ادعائه تقبُّلَ النقدِ من الصديق والعدو فلماذا أتخمَ سجونَهُ بعشرات المنتقدين لسياسته في حملة غيرِ متوقفة حتى الآن طالت علماء وناشطين ومن بينهم الشيخ سفر الحوالي رغم مكانته ومرضه الشديد، كما إنها طالت حتى المعارضين بالخارج كحادثة اختفاء خاشقجي داخل سفارة بلاده بإسطنبول.

كان من الأحرى وفق الكثير من المتابعين لابن سلمان أن يستمرَ بسياسة "لا أرى لا أسمع لا أتكلم" التي سار عليها جميعُ المسؤولين السعوديين بعد سلسلةِ الإهانات المذلة التي وُجّهت إلى دولتهم ورأس السلطةِ فيها سلمان بن عبد العزيز، فذلك الرد أوقع ابنَ سلمان في خانة أخرى من سلسلة من الخانات التي تؤكدُ قصرَ فهمه وعدم معرفته بأمور السياسة وما لها وما عليها وما طبيعة الرد الذي يجب أنْ يُقال في مثل تلك الإهانات، لا أن يجد تبريرات لترامب على ما قاله ويحاول أن يجد مخرجاً يقلّص الحرج فيها.

لا يستبعدُ الكثير من المراقبين أن ابن سلمان لم يكن يريد أن يدلي بتصريحاتٍ لو لم يكن هناك طلبٌ أحرجه من قبل وكالة "بلومبيرغ" وسؤاله عن رده على ما قاله ترامب، بدليل أنه ظلَ صامتاً لأيام كما إنهُ لم يُدلِ بأي تصريحٍ يُعارض سياسات ترامب المساندة للاحتلال الإسرائيلي والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ومحاولةِ فرض "صفقة القرن"، كما إنه سبق وأن تهرَّبَ من الإجابة على سؤال حينما سُئِلَ عن موقفه حول ما إذا كان قرار الرئيس الأمريكي بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس يساعد أم يضر بعملية السلام.

ثلاثُ مراتٍ خرجَ ترامب كاشفًا ما دارَ بينَهُ وبين سلمان خلال المحادثةِ الهاتفيةِ المُذِّلةِ التي جرتْ يومَ السبت الماضي، بدا فيها امتهانُهُ للسعودية واستخفافُهُ بها في مستوى لم يسبقْ أنْ صرَّحَ بهُ رئيسٌ أمريكيٌ بهذهِ الصورةِ الفجة، وهذا ما أخفتْهُ الرياض وقالت إنَّ المحادثةَ بحثتْ ما سمتْها العلاقاتِ المتميزةَ مع الولايات المتحدة، وبالطبع فإن نظام الحماية ليس وليداً، غير أن ترامب خرج عن المستوى الدبلوماسي إلى مستوى مافيوي، في أسلوب لم يلقَ أي امتعاضٍ أو رد قوي من الرياض رغم أنها الوحيدة التي صمتت عن ضربات ترامب لها، فإيران مثلاً وكوريا الشمالية وغيرها من الدول لم تصمت لتصريحات ترامب ووجهت له انتقادات لاذعة بعد ما أدلى بتصريحات اعتُبرتْ مسيئة لتلك الدول، ولو صدرت هذه الإهانات ضد أي دولة أخرى لما صمتت بالشكل المخزي الذي صمتته المملكة.

أعادت إهانات ترامب إلى الأذهان حماقة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير حينما بدا عرافاً قبل مدة بعد أن فسرَ تصريحاتٍ لترامب طالب فيها دولاً لم يُسمِّها بدفع الحماية وإلا ستسقطُ في أسبوعين، وقال إنهُ يقصدُ فيها قطر، لم يُدلِ الجبير بأي تصريح حتى الآن على تصريحات ترامب.

لن يتوقف ترامب عن شفط "البقرة الحلوب" كما يحب أن يسمي السعودية، ولا يبدو أن مبلغ 460 مليار دولار التي وضعها في الخزينة الأمريكية على حساب مال السعوديين والمقيمين في المملكة قد اكتفى بها، بل إنه سيظل يطلبُ ويطلب في كل مناسبة ويستغل كل لقاء وكل حدث في الشرق الأوسط لكي يسلب المال من السعودية التي تؤمرُ فتطيع، ويُطلبُ منها فتستجيب وليت كرامتها ظلتْ كما هي .. بل ديست في الأرض وأهينت ويخرج ابن سلمان ليقول إن بينه وبين ترامب علاقة مميزة ويجب تقبل النقد من الأصدقاء.. يا نعم الصديق الأحمق المغفل.. يقول ترامب!.