الأحد 2018/04/15

سوريا.. الضربة وما بعدها

نظام الأسد هو المسؤول عن كل ما يجري، فهو الذي فتح البلد للتدخلات العسكرية الأجنبية، وأدخل إيران وروسيا والميليشيات الطائفية والمرتزقة، في حربه ضد شعبه لوأد توقه للحرية.

 

بعد الضربة العسكرية، الأميركية الفرنسية البريطانية، لبعض مواقع نظام الأسد، بات يجدر بنا طرح السؤال عن الرؤية السياسية التي تقف وراء هذه الضربة، أو اللاضربة، بحكم محدوديتها في المستوى والزمان والمكان، لأن خطوة من هذا نوع من قبل الدولة الأقوى في العالم إزاء الصراع السوري، المعقد والمتداخل، لا بد أن تحكمها رؤية سياسية معينة.

والسؤال الآن هو: هل أضحى صانعو القرار الأميركي مقتنعين بأن إستراتيجيتهم التي اعتمدوها، طوال الفترة الماضية، والتي قامت، من الناحية العملية، على ثلاث ركائز، تتمثل أولاً في الإبقاء على ديمومة استمرار الصراع وفق صيغة لا غالب ولا مغلوب، لا النظام ولا المعارضة. ثانيا استدراج القوى المناكفة لها لاستنزافها وإرهاقها ووضعها في مواجهة بعضها البعض في الصراع السوري، أي روسيا وإيران وتركيا. ثالثا الحفاظ على أمن إسرائيل والحؤول دون أي تهديد لها، فهل استنفدت هذه الإستراتيجية وأضحى من الضروري تغيير قواعد اللعبة؟

للوهلة الأولى قد يمكن القول بأن هذه الإستراتيجية استنفدت، لأنها تحققت على الصعيد الميداني، إلى هذه الدرجة أو تلك، وأن الوضع قد حان لاتخاذ قرار أميركي حاسم بوقف القتال في سوريا، والتحول نحو فرض عملية انتقالية سياسية، إلا أن المسألة هنا لا تتعلق بتقديرنا نحن، وإنما بتقدير صانع القرار الأميركي، وهو أمر لم يجر التأكد منه بعد.

وحتى على فرضية التوصل إلى قناعة مثل هذه، في البيت الأبيض، بضرورة وقف القتال وإيجاد حل سياسي في سوريا، فثمة عقدة إيران، وكيفية التخلص منها ومن ميليشياتها، وتاليا إقفال “الكرادور”، من إيران إلى لبنان، عبر سوريا والعـراق، لتحجيم نفوذها في المنطقة، بعد أن بات ذلك مطلبا أميركيا وإسرائيليا وإقليميا، ملحاً، ما يفسر معاودة فتح ملف الاتفاق النووي مع إيران، ووضع الولايات المتحدة خطوطا حمر لمنع اقتراب أي قوات إيرانية أو تابعة لها إلى الحدود الشرقية والجنوبية لسوريا، مع العراق وإسرائيل، وهذا ما تمت ترجمته بالتعامل معها بالقوة مرات عديدة، إلى جانب سيطرة الولايات المتحدة على هذه المناطق عبر قواعدها المنتشرة فيها.

ثمة أمر آخر ينبغي أن يناقَش بعد الضربة أيضا، فإذا افترضنا جدلا أن صانع القرار الأميركي بات يميل لصالح وقـف القتال وفرض حل سياسي، فإن حجم الضربة، أو حجم التدخل المطلوب، لإحداث هذا التحول، يحتاج ربما أكثر من مجرد ضربة موضعية ومحدودة، لتوفير عنصر الردع الكافي ليس للنظام وحده، وإنما له ولحليفيه الإيراني والروسي أيضاً. فهل هذه الضربة، على النحو الذي تمت عليه، هي نتاج توفر نوع من مساومة أميركية ـ روسية؟ أو هل عادت روسيا إلى رشدها أو إلى حجمها الطبيعي؟

بمعنى آخر، إذا كانت الولايات المتحدة قد وصلت عبر الجهود السياسية والدبلوماسية إلى نوع من المساومة مع روسيا، إلى حد حصد نتائج سياسية، بحجم النتائج التي يمكن أن تتأتى لها من توجيه ضربة أكبر وأقوى ضد النظام، فما الذي سيجعلها تدخل صراعا هي في غنى عنه أو لا مصلحة لها ولا لأي من حلفائها به طالما أن الرسالة وصلت، وطالما تحقق لها ما تريد بالوسائل السياسية، ناهيك أن ذلك مكنها من توجيه صفعة لكل من يهمه الأمر، أي لروسيا وإيران، أيضاً، مفادها أن ثمة حدا، وثمة لكل حجمه الذي لا ينبغي أن يتجاوزه؟

القصد من كل ذلك القول أن هذه الضربة العسكرية المحدودة ليس القصد منها تغيير معادلات الصراع، أي إنها على الأغلب رسالة تتوخّى إعادة روسيا إلى حجمها، وتذكيرها بحدود دورها، إضافة إلى أنها محاولة ضبط الصراع السوري، وفقا للمعادلات التي تم التوافق عليها في فيينا (أواخر 2015)، وقرار مجلس الأمن الدولي 2254، بشأن التحول نحو خطة الحل السياسي. وهي رسالة كانت الولايات المتحدة هددت بها في ما يسمى “اللاورقة”، التي أتت في تصريحات وزير الخارجية الأميركي السابق ريكس تيرلسون، وتم التأكيد عليها مجددا في اللقاء الخماسي أو السداسي في باريس (مطلع هذا العام) والذي شارك فيه وزراء خارجية أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والأردن والسعودية، وقتها.

على أية حال فإن ما يمكن قوله في هذه الظروف، إن النظام هو المسؤول عن كل ما يجري، فهو الذي فتح البلد للتدخلات العسكرية الأجنبية، وأدخل إيران وروسيا والميليشيات الطائفية والمرتزقة، في حربه ضد شعبه لوأد توقه للحرية، وهو الذي فرط في السيادة الوطنية، في حين أن السوريين الذين شرّد الملايين منهم ودمر بيوتهم وقتل مئات الآلاف منهم، ليس لهم شيء في كل ما يجري، بعد أن بات مصير سوريا وشعبها، بيد القوى الدولية والإقليمية.

وباختصار، هذه ضربة ليس الغرض منها إزاحة بشار الأسد ولا تقويض نظامه، ولا نصرة المعارضة الضعيفة والحائرة والتابعة، ولا جلب الديمقراطية، هذه ضربة محدودة، و“فشة خلق” وتأكيد أن الولايات المتحدة هي التي تتحكم في اللعبة، وأن على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يعرف حجمه وحدود قوته، وأن أسلحته الغبية والوحشية تصلح للجم الشعب الأعزل فقط. وهذه الضربة هي رسالة لإيران بأن عليها أن تلزم حدودها، وأنه آن أوان أن ترجع إلى حجمها، كما أن هذه الضربة قد تفيد أيضا بأنه آن الأوان، ربما، لوضع سوريا على سكة الانتقال السياسي. وللأسف فإن ما لم يفهمه النظام وروسيا وإيران بالكلام يجري إفهامهم إياه بواسطة القوة.


صحيفة العرب