الأثنين 2020/08/03

رغم تصعيدها المتكرر.. لماذا تؤخر روسيا عمليات اجتياح مفتوحة في إدلب؟

تصعيد بري وجوي تشهده مناطق شمال غربي سوريا في أجواء شبيهة بأجواء ما قبل العمليات العسكرية التي شنتها قوات النظام والمليشيات الشيعية والطائفية الموالية له خلال الشهور والسنوات الماضية على المناطق المحررة، وتم خلالها قضم العديد من المناطق بدعم من الطائرات الروسية، رغم كونها واقعة ضمن اتفاقات تهدئة بين تركيا وروسيا.

توصلت تركيا وروسيا إلى اتفاق تهدئة في إدلب يوم 5 آذار الماضي في موسكو، بعد أن سيطرت قوات النظام على مناطق هامة واستراتيجية في ريفي إدلب وحلب، مثل معرة النعمان وسراقب، ومحيط مدينة حلب، ومنذ توقيع الاتفاق تم إرسال تعزيزات عسكرية كبيرة من قبل النظام والمليشيات الشيعية إلى تخوم مناطق جبل الزاوية وريف إدلب الشرقي، حيث يُتوقع انطلاق محاور العمليات العسكرية منهما بهدف الاقتراب من الطريق الدولي حلب اللاذقية المعروف بـ m4 ، وترافق إرسال التعزيزات مع خروقات شبه يومية تقوم بها قوات النظام ومليشياته ضد المناطق المحررة مثل عمليات قصف ومحاولات تسلل متكررة تبطلها فصائل الثوار.

في واقع الحال فإن جميع محاولات التسلل والهجمات التي شنتها قوات النظام لم يكن الهدف منها التمركز الدائم، بل كانت محدودة وتهدف إلى محاولة جر الفصائل العسكرية إلى المواجهة المفتوحة بهدف أن يتم نسف اتفاق وقف إطلاق النار من قبل الجماعات المحسوبة على الجانب التركي، وليس على الجانب الروسي، وهذا ما يخفف عن روسيا الضغوط التركية لكون أنقرة ترفض شن أي عملية عسكرية في الشمال السوري لأسباب عدة على رأسها منع موجة نزوح جديدة نحو أراضيها.

أنقرة التقطت هذه الإشارة ولم تسمح بخرق اتفاق وقف إطلاق النار وللفصائل العسكرية بشن عمليات عسكرية، وتحاول في ذات الوقت تطبيق بنود اتفاق موسكو، والذي ينص على تسيير دوريات مشتركة بين القوات التركية والروسية من بلدة الترنبة في ريف إدلب الشرقي، وصولاً إلى قرية عين الحور في ريف اللاذقية الشمالي بمسافةٍ تقُدر بـ 73 كم، كما ينص على إشراف قوات الاحتلال الروسي على جنوب الطريق الدولي على أن يتم لاحقاً فتح الطريق أمام الحركة التجارية.

منذ توقيع الاتفاق لم يتم الوصول إلى منطقة عين الحور سوى مرتين، وذلك لوجود مخاطر على دخول الدوريات المشتركة إلى مناطق سيطرة الفصائل التي أعلنت رفضها لدخول قوات الاحتلال الروسي إلى الطريق الدولي، ما يعني أن لدى روسيا حجةً جاهزة لنسف اتفاق موسكو، وهي أن أنقرة لم تستطع تطبيق بنود الاتفاق بالشكل المطلوب، لكن السؤال لماذا لم تطلق روسيا عملية عسكرية حتى الآن ضد إدلب رغم مضي نحو 5 شهور على توقيع الاتفاق الذي لم يغير من طبيعة المنطقة عسكرياً واقتصادياً ؟.

يقول الباحث في "مركز الحوار السوري" الدكتور "محمد السالم" إنه لا يتوقع تصعيداً عسكرياً كبيراً من قبل روسيا في الشمال المحرر، لافتاً إلى أن المناوشات والضغوطات تحدث لأهداف روسية في تحذير تركيا من الاستمرار في الحشد على سرت والدخول باتجاه الحوض النفطي في ليبيا.

ويضيف "السالم" في حوار مع موقع "الجسر" أنه لن يكون هناك اجتياح بري كامل ضد إدلب كما يريد النظام ويرغب بشدة بذلك، إلا أن الروس يرسلون رسائل إلى الجانب التركي مثل الغارات الأخيرة على مدينة الباب شرقي حلب، إضافة لغارات اليوم على مدينة بنش شمالي إدلب، موضحاً: "كلها رسائل يرسلها الروس أننا نستطيع ضرب الأتراك في الخاصرة الرخوة وهي إدلب التي تعد جزءاً من الأمن القومي التركي، وذلك بهدف إخضاع تركيا وتليين موقفها بخصوص ليبيا".

ومن جانب آخر يرى الدكتور "محمد السالم" أن للضغوطات الروسية في إدلب سبباً آخر وهو دفع تركيا إلى الاستمرار في الدوريات المشتركة وفتح الطرق الدولية، الأمر الذي يمكن أن يساهم في تخفيف الضغط الاقتصادي على النظام لاحقاً، مما يعني محاولة تخفيف عواقب قانون قيصر وتقليص مشاركة تركيا في تطبيقه.

على ضوء ذلك يمكن القول إن الاحتلال الروسي لا يرغب بالتصعيد الكبير في إدلب، بقدر ما يرغب بـ "تطويع" الجانب التركي لينفذ الأهداف التي تريد روسيا تطبيقها في سوريا ومؤخراً في ليبيا، ففي سوريا تحاول روسيا دفع تركيا إلى الاستمرار بتطبيق بنود اتفاق موسكو لما فيه من مصلحة عسكرية واقتصادية على النظام، فمن الجانب العسكري ينص اتفاق موسكو على أن القوات الروسية هي من سيشرف على جنوب الطريق الدولي m4 ، ومن الناحية الاقتصادية فإن استمرار العمل بالاتفاق من الممكن أن يؤدي إلى فتح الطرق الدولية، وأما في ليبيا فإن روسيا ترغب بكبح جماح الجانب التركي ودعمه لحكومة الوفاق بعد السقوط الكبير لمليشيات حفتر في الفترة الماضية وحشد قوات الوفاق بدعم تركي على منطقة سرت.

وبالرغم من محاولة روسيا إعطاء صورة عامة لتركيا أن الأجواء حالياً في إدلب مهيئة لعملية عسكرية - محدودة أو غير محدودة – إلا أن هناك أوراق قوة أيضاً لدى الجانب التركي وفصائل الثورة لا يمكن لروسيا أن تتغافل عنها، لاسيما بعد الانتشار الكبير للقوات التركية على الأرض ونجاح عملية "درع الربيع" التركية مؤخراً في تكبيد قوات النظام ومليشياته خسائر كبيرة إضافة إلى استعادة سراقب بشكل سريع ثم الانسحاب منها لاحقاً، ويبدو هذا أحد الأسباب التي تجعل روسيا تتخوف من التمادي الكبير ضد المناطق المحررة وتدفعها للضغط على النظام لممارسة ما يمكن اعتباره "تصعيداً منضبطاً" يُبقي الجميع في حالة التأهب والمنطقة في حالة عدم الاستقرار.