الخميس 2017/09/07

“دي ميستورا الأسد” ..كيف تحول الوسيط الأممي إلى “متحدث باسم القاتل” ؟!

تقوم الأمم المتحدة منذ عام 2011 كغيرها من المؤسسات الدولية والحكومات الغربية، بمحاولات توصيف الوضع في سوريا بدلاً من الضغط لإيجاد حل واقعي يُنهي المحرقة المتواصلة منذ نحو سبع سنوات.

وفي هذا الإطار قامت المنظمة الأممية بتعيين ثلاثة مبعوثي "سلام" إلى سوريا، وتعاملت مع الملف السوري وكأنه "حرب" بين جيشين نظاميين وقوتين متكافئتين، وبدلاً من الانحياز إلى مبادئ القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، واصلت الأمم المتحدة تعمية المشهد عبر التركيز على اعتبار ما يجري في سوريا حرباً نظامية، وحرصت على أن تُظهر نفسها على مسافة واحدة بين طرفيها.

وليت الأمور وقفت عند حد "المسافة الوسطى"، بل إن أكبر مؤسسة يُفترض أن تمثّل القانون الدولي وترعاه، وقفت مكبّلة عاجزة أمام الفيتو الروسي من جهة، وانحازت بشكل واضح لمصلحة نظام الأسد وحلفائه من جهة أخرى؛ وتطول قائمة الفضائح التي ارتكبتها مؤسسات الأمم المتحدة فيما يخص سوريا، بدءاً من "التمويل المباشر" بملايين الدولارات لشخصيات في نظام الأسد يفترض أنها مشمولة بالعقوبات الغربية، وليس انتهاءً بالتصريحات الإشكالية للمبعوث الأممي الثالث "ستيفان دي ميستورا".

فيما لو تجاوزنا الخدعة القائلة إن ما يجري في سوريا هو حرب بين جيشين متكافئين، فإن دي ميستورا لم يكن وسيطاً بالمعنى التقليدي لوسطاء السلام، إذ ظهر منذ تولي المنصب في أيلول 2014 (خلفاً للجزائري الأخضر الإبراهيمي) عراباً لاتفاقات التهجير القسري لأهالي المدن المحررة، تحت ذريعة "إيقاف القتال"، مكتفياً بتحذير المعارضة من عدم الانصياع للضغط الروسي الإيراني.

مضمار المفاوضات كان الصورة الأبرز للمهمة التي وكَّل بها دي ميستورا نفسه بدلاً من مهمة "الوسيط"؛ حيث نجح بتحويل جولات جنيف من ميدان يناقش العقدة الأهم وهي مصير الأسد، إلى مجرد ساحة لنقاش قضايا فرعية تفترض أن المشكلة الأساسية في سوريا انتهت، وأن الوقت حان لمناقشة الدستور وشكل الحكم!

ثم لم يلبث المبعوث الأممي أن أدخل المعارضة السورية في "معمعة اللاورقات" عبر لقاءات لوزان "التقنية"، التي ساهمت بشكل كبير في إيهام المجتمع الدولي أن الإشكالية تكمن في "تشتت المعارضة السياسية" لا في تعنت نظام الأسد وحلفائه وإصرارهما على الحل العسكري.

وفي آخر المواقف التي بدأ فيها دي ميستورا يترجم مهمته الفعلية، قال طالب المعارضة السورية بالإقرار بأنها "لم تنتصر أمام الأسد"، وهذا يعني ضمنياً موافقته على فكرة "انتصار الأسد" رغم حديثه عن أن "لا منتصر في سوريا بالوقت الراهن".

ولم يعُد خافياً أن فكرة "انتصار الأسد" باتت جزءاً من سلسلة أكاذيب ومغالطات وخدع، تأتي في سياق حرب نفسية، يحاول بها المجتمع الدولي ومراكز الدراسات إيقاع السوريين في شباك الهزيمة، بالتوازي مع التقدم العسكري الذي يحققه نظام الأسد وحلفاؤه شرق سوريا، عقب تجميد جبهات القتال غرب البلاد.

إن فكرة "انتصار الأسد" التي يروج لها المبعوث الأممي تزيل كل الأقنعة التي تعامل بها دي ميستورا مع الملف السوري، وتظهره مجرد "جنرال روسي أو إيراني" يهدد أعداءه ويحذرهم من أي محاولة للمقاومة، هذا غير أن تصريحاته تزامنت مع تقرير اللجنة الأممية التي اتهمت نظام الأسد بشكل مباشر بالمسؤولية عن 27 هجوماً كيماوياً  من ضمنها مجزرة خان شيخون في نيسان من العام الجاري، ما يعني أن "الوسيط الأممي" يريد أن يغطي على تلك الجرائم بحق الإنسانية، بدلاً من المطالبة بإحالة الملف السوري إلى محكمة الجنايات الدولية.