الأحد 2020/09/06

دير الزور.. انتهى الحصار ولم تنتهِ المأساة

مرت يوم أمس الذكرى الثالثة لفك حصار أحياء مدينة دير الزور الذي فرضه تنظيم الدولة من الخارج بشكل علني وقوات النظام من الداخل بشكل مخفي ولكنه ظاهر لمن عايش فترة الحصار.

بعد هذه السنوات الثلاث ما الذي استجد وتغير؟

خدمياً:

لم يحرك نظام الأسد ساكناً لتطوير وتحسين شيء في مدينة دير الزور ولم يعمل على إيقاف الانفلات الأمني ولم يقم بإزالة الركام الذي خلفته قذائف مدفعيته وصواريخ راجماته ومقاتلاته بالتعاون مع الاحتلال الروسي، في المدينة التي صنفت من المحافظات الأكثر دماراً بسبب الحرب في سوريا، بل انتظرت منظمات الإغاثة الدولية لتقوم بما يجب على السلطة القائمة على الأرض القيام به، وأوكلت للأمم المتحدة (UNDP) مهمة إزالة الركام وترميم مايمكن ترميمه من المنازل المدمرة في دير الزور.

ولم يكتفِ الأسد بذلك بل على العكس تماما، بدأ باستغلال هذه المساعدات وسلّم إدارتها لشبيحته والموالين له، ولم يصل المدنيين الذين جاءت لهم هذه المساعدات سوى القسيم اليسير منها، بينما ذهب معظمها إلى منازل قيادات وشبيحة وعناصر نظام الأسد في دير الزور.

المياه والكهرباء والمحروقات والاتصالات والخبز.. كانت ولاتزال مجرد أسماء تثير حزن أبناء دير الزور وتقض مضاجع تفكيرهم.

فالمياه إلى يومنا هذا تصل منازل المدنيين على فترات، دون أدنى مقومات تعقيم أو فلترة، وغالباً ماتأتي عكرة ويجب تعقيمها وترسيبها كي تصبح صالحة للشرب.

بينما الكهرباء تخضع لنظام التقنين وتصل في أحسن الأحوال اربع ساعات إلى منازل المدنيين بينما لاتنقطع عن المفارز والفروع الأمنية في المدينة.

ولعل حال المحروقات لم يكن أفضل من حال الماء والكهرباء فقد قام نظام الأسد بتوزيع البطاقة الذكية على المدنيين كي يستلموا فيها أسطوانة غاز كل شهرين أو ثلاثة، وذلك وفق رضا المندوب المعين من قبل النظام على المواطن في قطاعه، أما المازوت الذي يعتمد عليه أبناء المدينة في تدفئتهم في فصل الشتاء فكان أشبه بالعملة الصعبة التي لايستطيع اقتناءها سوى الميسورين وهم في الغالب شبيحة نظام الأسد، وعناصره وقادة أفرعه.

أما الخبز.. فهو القصة التي لايستطيع المواطن أن يتحدث عنها دون غصّة، فنظام الأسد يتحكم بالأفران وعملها ويقوم عناصره بالإشراف على توزيع إنتاجها على المندوبين في فترة من الفترات بينما يخلقون الأزمات على أبوابها كي يضطر المواطن للشراء من الباعة على أبواب الأفران الذين يعملون بالاتفاق والتعاون مع قادة قوات النظام بالمدينة، ويتقاسمون مايمكن أن يحصلوا عليه من أموال سلبوها من المواطنين آخر اليوم، ويضاف إلى ذلك سوء مادة الخبز التي تنتجها الأفران، ولم تنفع شكاوى المواطنين بشأن ذلك، فالخبز والمال كفيل بسد فم أي عنصر أو شبيح قائم لمحاسبة أصحاب الأفران على جودة إنتاجهم.

أمنيا:

بعد 3 سنوات من فك الحصار عن أحياء دير الزور ازدادت سطوة القبضة الأمنية واشتد بطشها بالمدنيين، وكان المثل الشعبي يقول " الحيطان لها أذان" في بلاد يحكمها الأسد شكلياً، ولكن حيطان اليوم لها ألف اذن، ويمكن للكلمة أن تودي بصاحبها إلى المسالخ البشرية، ويضاف إلى ذلك أن الكلمة التي تكتب على جدار صفحات التواصل الاجتماعي لها فعلها أيضاً، وعقوبتها كعقوبة أي ثائر ضد نظام الأسد، وهي السجن والتعذيب الذي قد يصل حد الموت أحياناً.

الجرائم التي شهدتها المدينة خلال السنوات الثلاث الماضية تدل على أن الانفلات الأمني ممنهج ويقوده في الخفاء عناصر وقادة نظام الأسد في دير الزور، ولم تفضِ معظم الجرائم إلى فاعل وقيدت ضد مجهول، وقد يخيل لشخص أن يسرق أو يقتل دون تنسيق مع نظام الأسد، فيقع في المصيدة، والجريمة التي حصلت مؤخراً بحق الأختين سعاد ووداد الفاكوش خير دليل على ذلك، فمرتكبها لم يكن من عناصر نظام الأسد ولم ينسق معهم قبل الجريمة، فكان مصيره مختلفاً عن آلاف مرتكبي الجرائم والسرقات بدير الزور، ولعلّ هذا المجرم سيخرج دون عقاب إن عرف الفم الذي يمكن أن يأكل المال ويسكت حكم القضاء، فاتصال من شبيح أو قيادي يخرس صوت القضاء في بلد رفع شبيحته شعار "الأسد أو نحرق البلد"، فأي قضية يمكن أن تحل بالمال طالما أنها لاتمس بشار الأسد ورموزه.

أما الخدمة الإلزامية فلاتزال هاجس كل الشباب الذين يسكنون في مناطق سيطرة النظام بدير الزور ولا يستطيع أي مدني أن يفلت منها إلا بالهروب خارج مناطق سيطرة الأسد، ولعل جبهات إدلب وحماة هي المكان الذي يرسل إليه أغلب أبناء ديرالزور الذين يساقون للخدمة الإلزامية، وغالباً مايعودون بصناديق يسميها أهل الدير "توابيت" وعليها قطعة قماش بالية تسمى "علم".

انتهى الحصار ولم تنتهِ مأساة الديريين، وربما دير الزور ليست سوى صورة مصغرة عن سوريا.. ونهاية مأساتها لن تأتي إلا بزوال من حوّلها إلى غابة.. وهو بشار الأسد ونظامه.