الأربعاء 2017/09/27

“دبكة ديمقراطية” !

كعادتها في جميع المعارك التي خاضتها، تسعى المليشيات الكردية لإظهار أنها تعمل في الأراضي التي تسيطر عليها بشكل ديمقراطي، ولعلّ أفعالها هذي عبارة عن رسائل توجهها لداعميها الأمريكان.

دير الزور لم تكن في يوم من الأيام كردية أو كما جاء في الروايات التي ألّفتها المليشيات عن الرقة وكونها في عصور سالفة كردية الشعب، والأكراد يعرفون ذلك جيدا، ورغم ذلك قامت مؤخرا وبعد سيطرتها على مناطق بريف دير الزور الشمالي الغربي بتأسيس مجلس "دمى" مدني، ودعت المليشيات لهذا المؤتمر وسائل الإعلام كي توثق ديمقراطية "ممسرحة"، أبطالها أناس لا يعرفهم أهالي محافظة دير الزور، أو لم يسمعوا بهم مطلقا في الحراك الثوري أو حتى ما قبل الثورة السورية.

رئاسة مشتركة للمجلس المدني لمحافظة دير الزور بين امرأة ورجل.. إن صحّت التسمية.. وناطقة رسمية باسم هذا المجلس أيضاً، كي تتلو قرارات يصدرها أكراد باتت حقيقة مطامعهم بضم كل الأراضي التي تحوي الخيرات الزراعية والثروات النفطية واضحة للعيان، فمنذ إطلاق المليشيات الكردية المعركة التي سمَّوها "عاصفة الجزيرة" بدأت التحركات التي تكشف نواياهم ومطامعهم، فقبل السيطرة على أي منطقة في المحافظة، قام عناصر المليشيات بالسيطرة على حقل نفط ديرو والآبار المحيطة به في بادية الصعوة بريف دير الزور الشمالي الغربي، وهاهم بالأمس القريب يسيطرون على معمل غاز كونيكو وحقل العزبة النفطيين شرق المدينة، وإضافة إلى القراءة الواضحة التي تظهر رغبة الأكراد بضمِّ حقل الغاز الأهم في المنطقة، ذهب أكثر المحللين للقول بأن السيطرة على هذا المعمل ماهي إلا ورقة للضغط على نظام الأسد للرضوخ لمسألة الفيدرالية، ويظهر ذلك الضغط جلياً في تصريح وليد المعلم وزير خارجية النظام مؤخراً بأن "الأكراد يريدون حكما ذاتيا وهذا أمر قابل للتفاوض" حيث كان أول المؤشرات على أن الضغط الذي شكله الأكراد بسيطرتهم على الكونيكو بدأ يؤتي أكله، ويضاف إليه وصول وفد مخابراتي رفيع المستوى إلى مدينة القامشلي الخاضعة لسيطرة المليشيات الكردية، واللقاء بقادة المليشيات هناك.

أكثر من مليون ونصف مدني هو عدد سكان دير الزور، خرج منهم  في المظاهرات يوماً ما نصف مليون مطالبين بسقوط الأسد ونظامه، وطالبوا بحريتهم وكرامتهم، ليأتي الأكراد بعد تهجير أكثر من مليون مدني داخلياً وخارجياً، وبعد أكثر من مئة الف شهيد  ومثلهم معتقلون في دهاليز نظام الأسد، يأتي الأكراد ليختصروا ذلك بمجلس اقتصر على من لديه ولاء لصالح مسلم ومليشياته وتم الترشيح والانتخاب، بصورة تشبه أو تطابق انتخابات مجلس الدمى أو ما يسمى "مجلس الشعب" التابع للنظام.

وسط هذا الصخب "الديمقراطي" الذي لفَّ ما فعلته مليشيات قسد في باديةٍ قصيّةٍ بمحافظة دير الزور، كانت طائرات التحالف الدولي والاحتلال تواصل ارتكاب المجازر في البوكمال والميادين، وبينما كان الأهالي يشيّعون أبناءهم اختُتِم اجتماع الدمى، وكعادة المليشيات الكردية في جميع مناسباتها ألبست الحاضرين ممن ادَّعت أنهم ممثلون حقيقيون لمحافظة دير الزور أقنعة المهرجين، وبدأت بعزف موسيقاها، وسط بادية ابتلعت مئات النازحين والمقيمين المدنيين، الذين قتلهم رصاص قسد وصواريخ طائرات داعمهم الامريكي، وبدأ المهرِّجون بالدبك على وقع هدير شلال دم الديريين من البوكمال الى معدان، ومن الصور الى گباجب، وصفق لهؤلاء المهرجين زعماء المليشيات الكردية، وأثنوا على إجادتهم في رقصة "الدبكة الديمقراطية".