الأربعاء 2020/09/02

خمس سنوات على “أيلان”.. هل لا تزال سوريا تهز ضمير العالم؟

في رواية "الإخوة كارمازوف" للكاتب العالمي الشهير "فيودور دوستويفسكي" يقول: "أشنعُ ما في الأمر، هو أنّ الفظاعات أصبحت لا تهزُّ نفوسَنا، هذا التعوُّد على الشر، هو ما ينبغي أن نحزنَ له". وهذا ما حصل حرفياً إزاء تعامل المجتمع الدولي مع المأساة الإنسانية في سوريا.

في مثل هذه الأيام قبل سنوات عام 2015، هزّت صورة الطفل السوري الغريق "أيلان" ضمير الإنسانية، ووجّه منظره وقد قذفته أمواج البحر إلى الشاطئ صفعة كبيرة لكل ما خطته البشرية من قوانين ونواميس.

أصبحت صورة "أيلان السوري" أيقونة تختصر ما تعرّض له الشعب السوري على مدار سنوات من إجحافٍ وتخلٍّ وإهمال فاق حدود التصوّر والخيال، وضجّت وسائل الإعلام الدولي بعرض تلك الصورة التي استدعت تعاطفاً منقطع النظير، قامت أوروبا على إثره -باستحياء- بالسماح لبعض قوارب الموت أن تحطّ في ضفافها.

لكن كالعادة، لم يستمرَّ هذا "التعاطف" طويلاً، بل إن ما حصل أفظع من ذلك بكثير، فبعد أقل من شهر على تلك الصورة الصادمة، زجّت روسيا بعديدها وعتادها لرسم صورٍ أكثر شناعة من مأساة الطفل "أيلان" على كامل خارطة الدم السورية.

مع عشرات المجازر التي اركبتها روسيا وحليفها الأسد في المحافظات السورية، ظهرت أيقونات كثيرة تشبه مأساة الطفل الغريق، وشيئاً فشيئاً بدأ العالم يعتاد تلك الصور. قليل من التعاطف وشيء من الاستنكار، ثم نسيان مُطبِق، وصمتٌ يثير الدهشة، وهكذا.

مرت خمس سنوات منذ ظهرت صورة "أيلان" على الشاشات العالمية، وبعد نحو 28 يوماً، تمر خمس سنوات كذلك منذ أن تدخلت روسيا بضوء أخضر دولي لمعاونة الأسد على ارتكاب المجازر والقضاء على حلم السوريين بالخلاص، فما الذي تغيّر؟

الذي تغيّر بالضبط أن منظر دماء السوريين وموتهم الصارخ أو الصامت لم يعُد يستفزّ أحداً، ولم يعد يثير تعاطف أحد، إضافة إلى أن صور الدمار الفظيعة باتت جزءاً من المشهد المعتاد في سوريا.

ما حصل أن بشار الأسد بعد تلك السنوات لا يزال حاكماً على جماجم القتلى والضحايا، ولا يزال "المجتمع الدولي" يقف "متعاجزاً" عن وضع حدّ لمأساة يقارب عمرها 10 سنوات، حصدت أكثر من مليون شخص، وهجّرت نحو 7 ملايين خارج سوريا، ونحو 5 ملايين آخرين داخلها.

العبارة التي كتبها "دوستويفسكي" تحقّقت حرفياً في سوريا، وصار سهلاً أن تتحقق في عدة أماكن أخرى، ما دام الجزّارون والطُّغاة هم من يرسم صورة الواقع في هذا العالم، بينما يكتفي الكُتاب بالكتابة، والمصوِّرون بالتصوير، وبعض البشر بالتعاطف المؤقت.