السبت 2020/08/15

حين نغضب من ثعلب لم يلبس يوماً “ثياب الواعظين”!

ربّما كانت المشكلة في الثعلب سابقاً أنه كان يرتدي "ثياب الواعظين"، فيصعُب توقّع حركاته وغدراته، لكن ثعالب اليوم باتت أكثر وضوحاً وشفافية، فهي لا ترتدي إلا ثيابها المعروفة، وبالتالي فلا مفاجآت في القصة.

لا أعلم بالضبط لماذا ثار غضب بعض "المتفاجئين" من إعلان الإمارات التطبيع مع كيان الاحتلال الإسرائيلي؟ إذ إن "أبو ظبي" – وللأمانة التاريخية – لم تلبس ثياب الواعظين يوماً.. وربما كانت أكثر وضوحاً من الثعلب الذي يرتدي جلده الأصلي.

لم يكن التطبيع الذي أعلن مؤخراً بين أبو ظبي وتل أبيب في واقع الحال من خلال التوقيت المكشوف، فالتطبيع بين الجانبين متواصل منذ سنوات طويلة، وليس "تحت الطاولة" كما يقول البعض.. التطبيع كان جلياً على مدار سنوات ومن "فوق الطاولة".. فماذا نسمّي العلاقات الرياضية والتجارية بل والعسكرية بين الجانبين؟ وكيف نقيّم زيارات وزراء ومسؤولين إسرائيليين في وضح النهار للإمارات ونشر صور تلك الزيارات؟ هل نضع هذا في بند "تحت الطاولة"؟

لعل أكثر ما يثير السخرية في الموضوع هو كلمة "اتفاق سلام"، وكلمة "سلام" كما هو معروف تأتي بعد كلمة "حرب"، فهل كانت الإمارات أصلاً في حالة حرب مع إسرائيل؟؟ وفي هذه الناحية تستوي الإمارات – أيضاً للأمانة التاريخية- مع الدول العربية كافة، فلا يحتاج الأمر "إعلان سلام" ما دام هذا السلام قائماً بالفعل منذ عقود، حتى من جانب أكثر الدول ادعاء لـ"المقاومة والممانعة"!.

الإمارات كانت تعرف أن كل العرب يعرفون بوجود تطبيع "شبه معلن" مع تل أبيب، لكن يبدو أن مهندسي العلاقات بين الجانبين -وبرعاية أمريكية- اختاروا إشهار العلاقات بين الجانبين في هذه المرحلة لغاية لا تخص الإمارات، بل تخص المنطقة بأكملها، وهو ما عبّر عنه الرئيس الأمريكي في البيان الذي أصدره بشأن "اتفاق السلام التاريخي" حيث أكد أن دولاً "إسلامية" كثيرة ستنحو منحى الإمارات في المرحلة القادمة دون أن يسمّيها، وهو ما كان يذكره نتنياهو بشكل صريح خلال السنوات الماضية. فالثابت أن الموضوع لا يخص الإمارات وحدها، فالشهور وربما الأسابيع القادمة ستشهد توقيع اتفاقات "سلام" لدول أخرى بات تخمين أسمائها سهلاً جداً.

نحن لا نحتاج جهداً كبيراً لمعرفة أسماء الدول التي "ستنحو منحى الإمارات"، فما علينا إلا أن نعود قليلاً إلى السنوات بين 2011 و 2020، لنعرف من الذي وقف في وجه "الربيع العربي" الذي شكّل أكبر تهديد وجودي لإسرائيل.. من الذي صنع تيار "الثورات المضادة" لتحويل احتجاجات الشعوب العربية ومطالبها المشروعة إلى حروب مأساوية طاحنة كفلت لإسرائيل أن تبقى الطرف الأكثر قوة في المنطقة؟ من الذي يعمل ليل نهار لعرقلة أي نجاح -ولو بسيط- في الدول التي نجحت بتغيير أنظمتها؟ الإجابة عن هذه الأسئلة كفيلة بمعرفة أسماء الدول التي ستسارع على خطا الإمارات في إعلان "سلام" مع إسرائيل هو قائم أصلاً منذ عقود.