الخميس 2018/09/27

حلب أو إدلب.. قاموس التجاهل الأميركي

في العام 2016 فاجأ المرشح المستقل للرئاسة الأميركية "غاري جونسون" مقدم برنامج إخباري وجه إليه سؤالاً بخصوص خياراته حول مدينة حلب السورية في حال انتخابه، فكان رد جونسون "ما هي حلب؟".

حينها تفاجأ الصحفي "مايك بارنيكل" مقدّم برنامج "مورنينغ جو" الصباحي، وأوضح للمرشح "جونسون" أن هذه المدينة السورية "يحاصرها نظام الأسد ودائماً ما تتصدر أخبارها الصفحات الأولى للصحف"، وخاطب المرشح بعبارة "هل تسخر مني"؟، فأجاب المرشح المستقل "لا". سرد له الصحفي بعدها أن حلب مدينة في سوريا، "تقع اليوم في صلب أزمة اللاجئين".

يومها نجم عن هذا الخطأ وسم whatisaleppo# الذي انتشر سريعاً في شبكات التواصل الاجتماعي، استنكاراً بجهل مرشح لرئاسة أقوى دولة في العالم، بوجود مدينة تصدّرت نشرات الأخبار العالمية زمناً طويلاً.

يوم أمس الأربعاء فجّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب مفاجأة أقوى من مفاجأة المرشح "جونسون"، وأقر بأنه سمع عن محافظة إدلب السورية عن طريق الصدفة فقط.

وقال ترامب إن امرأة من مؤيّديه أثارت القضية خلال لقاء جماهيري عقد قبل نحو شهر. إذ أخبرته المرأة أن "هناك محافظة في سوريا فيها ثلاثة ملايين نسمة الآن. الإيرانيون والروس والسوريون يطوقون المحافظة وسيقتلون أختي وسيقتلون الملايين للتخلص من 25 أو 30 ألف إرهابي".

وأقر ترامب بأنه تفاعل مع استغاثة المرأة، التي أخبرها بأنه لم يسمع عن إدلب من قبل، وأنه سيمنع حدوث ذلك. ثم يتابع الرئيس الأميركي قائلاً: "عدت وفتحت صحيفة نيويورك تايمز.. ليس الصفحة الأولى ولكن كان هناك موضوع كبير جدا وقلت عجبا! هذه نفس القصة التي روتها لي المرأة ووجدت أن من الصعب تصديقها وقلت كيف؟ لماذا يفعل أي شخص كان هذا؟".

وكان ترامب تفاخر قبل أيام خلال مؤتمر صحفي في نيويورك بأنه نجح في ثني نظام الأسد وروسيا وإيران عن القيام بالهجوم، بعد أن حذر موسكو في تغريدة على تويتر من أنها "سترتكب خطأ إنسانياً فادحاً بالمشاركة في هذه المأسأة الإنسانية المحتملة".

العجيب في الأمر ليس أن ترامب يستقي خبراً حول ملف كهذا من صحيفة، لكن الطامّة في أنه لم يكن يعلم بها من قبل، وأن عِلمه بها كان على سبيل المصادفة.

يذكّرني هذا الاعتراف الأحمق من ترامب بقصة غاراته "الخلّبية" على مطار الشعيرات في محافظة حمص، عقب مجزرة الكيماوي التي ارتكبها نظام الأسد في نيسان 2017، حيث قيل حينها إن ترامب شاهد ابنته إيفانكا متأثرة بصور الأطفال وضحايا الهجوم، فقرر أن يعاقب نظام الأسد الذي وصفه آنذاك بـ"الحيوان".

وهنا علينا أن نسأل السيد ترامب.. ما الذي كان يمكن أن يحدث لولا أن تلك المرأة نبّهتك إلى "مأساة إدلب"؟، ثم.. لو أنك لم ترَ إيفانكا متأثرة بمناظر ضحايا الكيماوي.. هل كنت ستضرب نظام الأسد بصواريخك الفارغة؟؟

بغض النظر إن كانت معركة إدلب توقفت بسبب تغريدة ترامب أو بسبب التنسيق التركي الروسي حول هذا الملف، إلا أن هذه الرواية العجائبية التي رواها ترامب على سبيل التفاخر، تعطي المتابع فرصة كي يفسر الطريقة التي تتعامل فيها الولايات المتحدة عموماً مع الملف السوري، ولا سيما بعد وصول ترامب إلى المكتب البيضاوي مطلع العام 2017. هذه الرواية المضحكة المبكية والتي تعكس جانباً لا يستهان فيه من الحمق في شخصية ترامب، تكشف مدى "التجاهل الأميركي" الذي تتعامل به واشنطن مع عموم الأزمات الإنسانية والكوارث في العالم، إذ يمكن لمواطن أميركي بسيطاً كان أو مثقفاً ألا يسمع شيئاً عن إدلب السورية، لكن أن يصدر هذا الاعتراف بالجهل عن رئيس أكبر دولة في العالم فهذا من عجائب الأمور.. ولا سيما أن القوات الأميركية موجودة على بعد كيلومترات قليلة عن إدلب.

رواية ترامب تعطينا كذلك تفسيراً منطقياً لسيطرة روسيا ونظام الأسد وإيران على مجمل الخريطة السورية، التي يجهل ترامب تفاصيل محافظة تتصدر الأحداث فيها، بينما يمسحها الروس والإيرانيون باهتمامهم وينفقون المليارات كي يكون لهم موطئ قدم وسيادة فيها.

يقول بعضهم.. هذا منطقي جداً مع رئيس تاجر مثل ترامب.. الرجل لا يهتم إلا بالصفقات.. ما الذي تجنيه له صفقة كسوريا؟ هو أصلاً يريد الانسحاب من هناك لأنه لا يرى مصلحة لبلاده هناك.. ويرى آخرون أن عقلية ترامب ليست عقلية "رئيس أحمق" جلس بالصدفة على كرسي الرئاسة، بل إنه يمثل في واقع الأمر منطق "العم سام" في التعامل مع مجمل الملفات..إذ يمكن لأميركا العظمى أن تجعل من قرية صغيرة منسية في العالم محور اهتمامها لغاية ما ولمصلحة ما، بينما لا يجد ترامب حرجاً في أن يعترف بأنه أمضى في الرئاسة نحو عامين لم يكن يعرف فيها شيئاً عن محافظة إدلب!