الخميس 2018/06/07

حسابات الشمال في سوريا وحسابات الجنوب

كلما اقترب الموعد المحدد للانتخابات العامة والرئاسية في تركيا ارتفع منسوب التوقعات بشأن عملية عسكرية تركية جديدة ضد مواقع حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل شمال العراق.

 

تصريحات يومية من الرئيس أردوغان ورئيس الوزراء يلدرم ووزير الداخلية سويلو، تسخن الأجواء وتختبر ردود الفعل المحتملة، في الوقت الذي تزداد فيه التوقعات بشأن صعوبة تحقيق الفوز في الانتخابات، سواء بالنسبة لأردوغان أو حزب العدالة والتنمية. وهو ما يشكل رائزا كافيا لتحقيق العملية المذكورة على أمل أن تستعيد بعض الشعبية المتراجعة لهما، ولدفع حزب الشعوب الديمقراطي إلى الحائط، على أمل إفشاله في تخطي حاجز العشرة في المئة، فيكسب «العدالة والتنمية» المقاعد البرلمانية التي كان الحزب الكردي سيفوز بها لو تخطى الحاجز المذكور.

 

لكن ما يمكن للجيش التركي أن يحققه في قنديل، بلا ردود فعل دولية ذات شأن، لا يمكن تحقيق ما يشبهه في شمال سوريا التي تشملها أيضا تصريحات أركان الحكومة ووعيدهم. ففي منبج تأمل تركيا بإنجاز اتفاق مع الأمريكيين يقضي بطرد عناصر وحدات حماية الشعب الكردية من المدينة، وتسيير دوريات مشتركة أمريكية تركية لتأمينها. «أقل من ستة أشهر» قال وزير الخارجية جاويش أوغلو في تحديد السقف الزمني ل »خارطة الطريق» التي قال إنه تم التوافق بشأنها مع الأمريكيين، في الاجتماع الذي جمعه بوزير الخارجية الأمريكي بومبيو في واشنطن قبل أيام.

 

لم يصدر عن الأمريكيين ما يؤكد أو ينفي حدوث التوافق المذكور أو تفاصيله، لكن وحدات حماية الشعب أصدرت بيانا تعلن فيه سحب «مستشاريها العسكريين» من المدينة، وتسليمها لمجلس منبج العسكري. وهذا ما يشكل هدية أمريكية للحكومة التركية، هي بأمس الحاجة إليها الآن في الطريق إلى الانتخابات. ويأمل الأمريكيون أن تشكل هذه البادرة مدخلا لإعادة الدفء إلى العلاقات مع تركيا، بعد طول فتور. ولكن هل ينتهي موضوع منبج كما تشتهي أنقرة أم لا، فهذا ما لا يمكن التكهن بشأنه، بالنظر إلى غموض الأمريكيين وتركهم الباب مفتوحا للتراجع عن أي تفاهمات مفترضة مع تركيا، ما لم تقدم الأخيرة على خطوات ملموسة بشأن مراجعة علاقتها مع روسيا، وربما المشاركة مع واشنطن في حملة تضييقها على إيران. الحافز الآخر الذي قدمه الأمريكيون لتركيا هو الوعد بإتمام صفقة بشأن طائرات F 35 التي سبق وتلكأوا بشأنها. ربما يتوقعون «رد جميل» من أنقرة، مقابل ذلك، يتمثل بإلغاء الصفقة بشأن صواريخ S 400 الروسية.

 

مختصر القول إن «سوق الصفقات» السياسية والعسكرية مفتوح بين أنقرة وواشنطن وموسكو بشأن ترتيبات تقاسم النفوذ في الشمال السوري. وتبدو وحدات الحماية الكردية الحلقة الأضعف التي يمكن التضحية بها، أو استخدامها كبيدق مطواع، في تلك الصفقات إلى درجة أن رأس النظام الكيميائي في دمشق نفسه دخل على الخط ليعرض على ما يسمى «قوات سوريا الديموقراطية» الاختيار بين التفاوض والقتال، وسرعان ما استجابت «قسد» بإعلانها الاستعداد للتفاوض. وذلك بصرف النظر عن أن تصريحات بشار، بهذا الشأن، لا تعدو كونها مجرد كلام غير قائم على أي قوة واقعية تسنده، ما لم يكن ناطقا، غير رسمي، باسم الروس، والهدف من كلامه اختبار رد الفعل الأمريكي الذي لم يتأخر: اياكم!

 

رد الفعل الأمريكي نفسه تكرر بشأن خطط النظام للتمدد جنوبا نحو درعا وأريافها. وهنا دخل على الخط أكثر من لاعب، أهمهم إسرائيل التي كررت، على لسان مسؤوليها، رفضها لأي وجود عسكري إيراني على مقربة من حدود الجولان المحتل. ولم يتسرب شيء عن اجتماع عمان بشأن تجديد الاتفاق حول منطقة «خفض التصعيد» في الجنوب بضمانات أمريكية روسية أردنية (وإسرائيل في خلفية المشهد). من المحتمل أن «الصفقة» المناسبة لجميع اللاعبين هناك لم تنضج بعد. وهذا ما جعل النظام يوقف تقدم قواته جنوبا، بانتظار حدوث توافق أمريكي روسي إسرائيلي على طرد الإيرانيين بعيدا عن الحدود مع كل من الأردن وإسرائيل، وتسليم المنطقة الحدودية لقوات النظام الكيميائي، كما تأمل موسكو، بهدف تأمين الطريق التجاري بين دمشق والبوابة الحدودية السورية الأردنية. فإذا أضفنا ما تم تداوله حول جهود تركية روسية لتأمين طريق غازي عنتاب حلب، وما حققه النظام، بعد تصفية التشكيلات المسلحة في كل من محيط دمشق وريف حمص الشمالي، من سيطرة شبه كاملة على طريق حلب دمشق، مرورا بحماة وحمص، يكون الخط التجاري الممتد من تركيا إلى الأردن فدول الخليج، قد اكتمل وشكل أرضية لتقاطع مصالح بين أطراف عدة. ومن شأن ذلك، كما تأمل موسكو، أن يساهم بقوة في تحقيق أرضية «الحل السياسي» القائم على إعادة تأهيل النظام وتسويقه في «المجتمع الدولي».

 

لهذا السبب رأينا موسكو متحمسة لإخراج «القوات الأجنبية» من سوريا، والقصد المليشيات الإيرانية، قبل كل شيء، أو الميليشيات الشيعية متعددة الجنسيات التابعة لها، استجابة لمطالب واشنطن (وإسرائيل) بهذا الخصوص.

 

تحاول إيران، مبدئيا، الانحناء للعاصفة الكبيرة التي تستهدفها، والتحايل على موضوع انخراطها العسكري في الصراع السوري، بالقول إن وجودها يقتصر على مستشارين، وهو ما ردده وراءهم تابعهم بشار الكيميائي، أو من خلال التفاوض السري السلس مع الإسرائيليين، في عمان، على ما نشرت بعض وسائل الإعلام، على أمل أن يوافقوا على بقائهم في سوريا بعيدا عن المنطقة الحدودية. لكنها تعرف، على الأرجح، أن مغامرتها السورية تشهد آخر فصولها.