السبت 2020/10/10

“حرائق الساحل”.. نظريتان تحاصران نظام الأسد

 

هي ليست الموجة الأولى من الحرائق. يرجع الأمر إلى أربع أو خمس سنوات مضت، في كل سنة تأخذ النيران نصيبها من آلاف الدونمات من المساحات الخضراء، ثم يتم إعلان "السيطرة عليها".

المختلف في هذه المرة أن الحرائق وصلت بالفعل إلى مناطق سكانية، ما أجبر أهالي مئات القرى في محافظة اللاذقية مثلاً على الهروب من مناطقهم قبل أن تحاصرهم النيران، إذ تعد هذه الموجة من الحرائق هي الأخطر والأكثر اتساعاً خلال السنوات الماضية.

خسائر هذه الحرائق كبيرة جداً، فهي تلتهم بسرعة كبيرة مساحات واسعة جداً تحتاج إلى عشرات السنوات لتعود خضراء كما كانت، في الوقت الذي تزداد فيه حدة السخط ضد نظام الأسد حتى بين مناطقه الموالية، إزاء عجزه الكامل عن السيطرة على النيران، على الرغم من "تدخل" حليفه الروسي في المشهد.

 

نظريتان تحاصران نظام الأسد:

 

المشكلة أن الحرائق في كل مرة تأتي وتذهب وتسجل القضية كالعادة "ضد مجهول"، والمجهول هنا لا يكون في منطق نظام الأسد سوى ارتفاع درجات الحرارة.

دعونا في البداية نسلّم أنّ سبب الحرائق طبيعي بحت، ونلقي بـ"نظرية المؤامرة" جانباً، ونسأل: لماذا لا يستطيع النظام الذي ملأت طائراته سماء سوريا منذ تسع سنوات أن يسيطر على الحرائق فور حصولها؟ لماذا لا يستطيع النظام الذي أحرق بالفعل مئات المدن والقرى والبلدات فوق أصحابها أي يتعامل مع مساحات محترقة تعد صغيرة نسبياً قبل امتداد النيران إلى مناطق أوسع؟

ثم يسأل آخرون: أين حلفاء الأسد الذين دعموا بقاءه بكل قوتهم ونفوذهم عما يجري؟ أليست قاعدة "حميمم" الروسية التي تحوي عشرات الطائرات والمقاتلات تبعد أمتاراً قليلة عن تلك الحرائق؟.. وأين إيران التي تلهث وراء عقود اقتصادية وبرامج "التشيع" عما يجري؟

إذا كانت الحرائق بالفعل وراءها عوامل طبيعية بحتة، فإن هذا يكشف بشكل لا لَبس فيه حقيقة هذا النظام الذي يحكم سوريا -حرفياً- بمنطق "العصابة"، فلا تهمُّ الخسائر البشرية أو المادية حتى بين المقرّبين من "رئيس العصابة"، ما دامت العصابة باقية وزعيمُها يحكم، ولا نرى أن أمر الحرائق يختلف كثيراً عن حالة التجويع والإفقار التي يحكم بها الأسد مؤيّديه قبل معارضيه، فهذه سياسة قديمة اتبعها والده "حافظ الأسد" منذ استولى على حكم سوريا.

 

أما إذا دخلنا في "نظرية المؤامرة" فهناك الكثير من الكلام يمكن قولُه، فالحرائق الحالية وامتدادها الواسع لا يمكن أن يكون مجرد "عامل طبيعي" أو "خطأ بشري" عابر.

صفحات محلية موالية لنظام الأسد في الساحل السوري، تحدثت عن "نظرية المؤامرة" بشكل واضح، وهم أدرى بحقيقة الأمر في مناطقهم أكثر من غيرهم، وإن لم يصرّحوا بها بشكل واضح.

يقول سكّان المناطق الموالية في الساحل السوري إن الحرائق تحدث لمصلحة جهات متنفذة "لم يسمّوها أو يكشفوها"، وعلق بعض الموالين بأن "رجال أعمال" متنفّذين في النظام، هم من يقومون بهذه الحرائق للاستيلاء على المساحات المحروقة وتنفيذ مشاريع خاصة بهم. لكن السؤال إزاء هذا الاتهام: من هي الجهة المتنفذة التي تجرؤ على حرق آلاف الهكتارات في مناطق قريبة من "قاعدة حميمم" الروسية؟  ربما كان في الأمر توضيحات أخرى لم يستطع موالو الأسد في الساحل الإفصاح عنها.

دعونا نقول ما لم يجرؤ الموالون على قوله أو حتى التفكير فيه:

استولت روسيا مقابل جهودها لحماية الأسد على عشرات المشاريع الكبرى في سوريا، بعضها يضرب في عمق الصحراء فيما يتعلق بعقود الغاز والفوسفات بالبادية السورية، وبعضها  في عمق المتوسط فيما يتعلق بميناء طرطوس مثلاً الذي أصبح قاعدة بحرية روسية على المياه الدافئة، ولا يستثني الأمر ما بين البادية والبحر.

استطاعت روسيا وفق تقارير إعلامية أن تحصل على ترخيص من النظام يمكنها من توسيع قاعدة "حميميم" في منطقة جبلة بريف اللاذقية، وتعد القاعدة كما هو معلوم أهم نقطة ارتكاز للوجود الروسي في سوريا.

وتقول التقارير إن روسيا لا تريد فقط توسيع قاعدتها الجوية، بل تريد كذلك تأمين محيطها بامتداد عشرات الكيومترات، حيث تحيط بها الغابات الكثيفة التي تجعل أمن القاعدة في خطر دائم، ولا بد هنا من حرائق كبيرة جداً تضمن لروسيا هذه المهمة بسهولة.

هذا بالإضافة إلى أن الوفد الروسي برئاسة وزير الخارجية الروسي "سيرغي لافروف" الذي زار دمشق مؤخراً، صدّق مع نظام الأسد على عدة مشاريع تحت شعار "التعاون الاقتصادي"، ويتضمّن هذا التعاون استثمارات جديدة لروسيا في الساحل السوري، بينها إقامة مشاريع سياحية وقرى "نموذجية" تستثمرها روسيا على المدى المتوسط والبعيد، ولا يمكن بأي حال القيام بهكذا مشاريع دون جعل تلك المناطق خالية محترقة، ييأس أهلها حتى من العيش فيها.

 

في نهاية الأمر، يجب على أي سوري "مؤيداً كان أو معارضاً" أن يتذكر جيداً العبارة التي أطلقها الأسد في بدايات الثورة "الأسد أو نحرق البلد"، وفي سبيل البقاء على كرسي الحكم لا يتورع الأسد فعلياً عن حرق أي شيء، حتى ولو كانت النيران تقترب في هذه اللحظات من مسقط رأسه في "القرداحة".