الأربعاء 2017/09/27

حتى تكتمل فرحة السعوديين

⁠⁠⁠⁠⁠من يكره الفرح؟ لا أحد والسعوديون من بينهم بالتأكيد. فرحة هؤلاء بعيدهم الوطني هذا العام اكتسى نكهة خاصة غير معهودة، خرج فيها كثيرون عن «طورهم» المحدد قانونا وعرفا عندهم، ارتفع صوت الأغاني ورقص الشباب واختلطوا بالشابات في مشهد لم يعهدوه أبدا ولم يعهد عنهم. لذلك قيل في هذا الفرح وما صاحبه ما لم يقل عن أي فرح «عادي» آخر.

«ما يحدث اليوم في السعودية هو تصفية حسابات بين هيئة الترفيه وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..التغيير الحقيقي والمنشود لم يولد بعد»، هكذا مثلا علقت الصحافية السعودية المقيمة في باريس إيمان الحمود في تغريدة لها على حسابها في «تويتر». كثيرون داخل السعودية أو خارجها لهم نفس الرأي ربما، سواء عبروا عنه أو كتموه، لأن الفرح عندما يأتي يأتي ك «قرار رسمي» لا علاقة له بالعفوية أو بالحراك المجتمعي الطبيعي، وفي سياق سياسي محدد داخليا وخارجيا، فهو إلى الحسابات السياسية والتنفيس المؤقت أقرب.

ليس سهلا أن تغير مجتمعك فجأة، والمجتمعات على كل لا تتغير بضغطة زر ولا باجراءات ظرفية مؤقتة، أما إذا كان ما جرى هو بداية تلمس طريق «العلمانية»، كما روج لها مؤخرا عن السعودية بلسان الإماراتيين، فالمسألة ما زالت بعيدة جدا. العلمانية ليست مظاهر مجتمعية مزاجية عابرة، إنها ذهنية حكم ومجتمع، لا تنفصم عن الديمقراطية والحريات العامة والفردية، إنها نظام متكامل تحضر له الذهنيات والقوانين على امتداد عقود وتمهد له مجموعة روافد أهمها التربية والتعليم.

كل «الكوابيس» التي أحاطت بها السلطات السعودية مجتمعها لعقود ستخرج لها الآن لترتطم بأية رغبة للتغيير، سواء كانت صادقة أو مزيفة:

خذ التعليم مثلا: تقليدي منغلق، لا تدرس فيه الفلسفة مثلا ولا عصر الأنوار في أوروبا ولا الثورات الكبرى في العالم ولا يشجع على إعمال العقل ولا يقدم أي فكر نقدي حتى داخل الفضاء الإسلامي فلا حديث عن المجددين والمجتهدين الكبار ولا عن المدارس الفكرية الكبرى والمذاهب المتعددة. تعليم لا اختلاط فيه ... ولا إعلاء لقيم الحرية والتعددية وحق الاختلاف، ولا حديث عن القيم الكونية في مجال حقوق الانسان ومعاني التسامح وغير ذلك.

خذ طبقة رجال الدين مثلا، وهي طبقة بأتم معنى الكلمة بمصالحها ورموزها ورعاتها. هؤلاء متطابقون إجمالا في تبرير أي شيء للحاكم وفي فهم محدد للدين، يحمله كثيرون مسؤولية إنتاج الفكر الديني المتشدد لأنه ببساطة يلقن الناشئة على أن لا إسلام إلا هذا الذي يقدم له في المناهج وما عداه ضلال مبين، فكر إقصائي بامتياز يعتقد أنه محتكر للحقيقة المطلقة. هذا الفكر استطاع عبر سنوات التسلل إلى أكثر من دولة عربية وإسلامية وفي أوروبا وافريقيا وآسيا، عبر أئمة ومجلات ومنشورات وقنوات لم يتم تسليط الضوء عليها إلا مع بداية الخوض هذه الأعوام في المرتكزات الفكرية للتطرف والإرهاب باسم الدين وخاصة منذ 11 أيلول / سبتمبر 2001.

خذ المجتمع مثلا، تتدخل «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» في كل تفاصيل حياة أفراده، مع استهداف خاص للمرأة في مناح عديدة، لا قيمة هنا لشيء اسمه الحياة الخاصة وحرمتها، حتى وإن كانت بين جدران بيتك. أما التعامل مع المقيمين الأجانب ففيه الكثير من الحيف إلى حد حرمانهم من ممارسة شعائرهم الدينية، كما أن لا مساواة أمام القانون بينهم وبين غيرهم من أبناء البلد، بل لا مساواة أصلا بين المواطنين أنفسهم فطبقة الأمراء يحل لها ما لا يحل لغيرها ... و لا فائدة هنا في التفصيل.

خذ وخذ وخذ ... كل هذا يحتاج إلى تغيير جذري وتدريجي مدروس. لا يمكن أن تحصل على سيارة جديدة بمجرد صبغها وتغيير عجلاتها. جيد ان تبدأ السعودية في مسار كهذا، رغم ما ستلاقيه من عنت داخلي بالخصوص هي من زرعت بذوره لعقود. أي مؤمن بحتمية مثل هذا التغيير، الذي لا يتنافى مع خصوصية البلد بالمناسبة، لا يمكن إلا أن يتمنى لها النجاح لكن هذا النجاح لن يتم إلا إذا كانت الخطوات صادقة ومدروسة لا مناكفة فيها، ولا استجلابا لمرضاة هذا أو ذاك، ولا هي بالغطاء الظرفي لتمرير مخططات ما.

الاصلاح الحقيقي قد يكون هو البداية لرفع تهمة الإرهاب والظلامية والرجعية على أمة كاملة أخذت بجريرة هؤلاء في الغالب. السعودية في حاجة إلى مشروع نهضوي كامل لا خفة فيه ولا رياء. أما نظام الحكم الذي سيقود هذا التغيير فيحتاج هو الآخر، وقبل أي شيء أخر، تعديلا عميقا حتى يصبح مؤهلا وقادرا على تغيير بهذا الحجم. لا شك أن السعودية، بعد سنوات طويلة من التكلس وشيخوخة القيادة، تحتاج إلى نفس جديد وتعديل للبوصلة.

كل التوفيق للسعودية إذا ما أرادت فعلا مثل هذا النهج، لكن أمرا جللا كهذا يحتاج إلى رؤية متكاملة ولا يأخذ بمزاجية أو نزق أو ارتجال .... تعديل البلد يختلف تماما عن مجرد تعديل الغترة.