الأربعاء 2020/01/08

جدوى “الثأر” الإيراني.. هل “سليماني” رخيص لهذه الدرجة؟

عقب مصرعه بضربة أمريكية مفاجئة في مطار بغداد فجر الجمعة الفائت، لم تكفّ إيران وآلتها الإعلامية عن التهديد "بثأر مؤلم" للقيادي في حرسها الثوري "قاسم سليماني".

وقف العالم على رؤوس أصابعه بانتظار الردّ الإيراني، وبدأت الآلة الإعلامية لمحور "المقاومة والممانعة" بالعزف على وتر "الانتقام المزلزل"، الذي سيكون بداية "لنهاية الوجود الأمريكي" بالمنطقة.

وفي التوقيت الذي لقي فيه "سليماني" مصرعه بالساعة الواحدة والنصف فجراً، أعلن الحرس الثوري الإيراني فجر الأربعاء، قصف قواعد عسكرية أمريكية غرب وشمال العراق، بعشرات الصواريخ الباليستية، وقال إنه قتل نحو 80 جندياً أمريكياً وألحق دماراً واسعاً بقاعدتي "عين الأسد" بالأنبار  و"حرير" في أربيل.

في الأثناء التي كانت فيها إيران تتحدث عن بدء "الثأر المنتظر" لسليماني عبر الأراضي العراقية، قال ترامب إنه مطّلع على ما يجري، وإن أمور جنوده في العراق "بخير".

وما إن زال الغبار الذي أثاره القصف الصاروخي الإيراني حتى تبدّت حقيقة ما جرى، وسرعان ما ظهرت حقيقة "البروباغاندا" الإيرانية، التي يقول مراقبون إن طهران نسجت تفاصيلها بالاتفاق مع الجانب الأمريكي.

خذوا احتياطاتكم.. سنضربكم:

بدا أن العراق الذي يُفترض أنه حليف لإيران، لا يريد أن يظهر إلا في صورة "الطرف المحايد"، فكما ندّدت بغداد بالغارة التي قتلت "قاسم سليماني"، أعادت اللهجة نفسها بدعوتها إلى احترام "السيادة العراقية" عقب القصف الإيراني، وليس هذا وحسب، بل إن رئيس حكومة تصريف الأعمال "عادل عبد المهدي" قال إن طهران أبلغت بغداد بالضربات قبل تنفيذها، كما ذكر مسؤول أميركي أن القوات الأميركية تلقّت تحذيراً مشابهاً؛ ونقلت شبكة "سي أن أن" عن المسؤول الأميركي -الذي لم يذكر اسمه- أن الجنود الأمريكيين دخلوا الملاجئ قبل وقوع الصواريخ، مؤكداً عدم سقوط أي قتلى أو إصابات؛ ما أثار تكهنات حول إمكانية الاتفاق على الضربات في سيناريو يحفظ ماء وجه إيران أمام "جمهور المقاومة"، ولا يعرّض الوجود الأمريكي في المنطقة لأية مخاطر.

مساحات فارغة:

وفي سياق السيناريو "المتفق عليه" وفقاً للتحليلات، نقل موقع "إندبندنت عربية" عن مصادر عراقية -لم يسمِّها- أن الصواريخ الإيرانية سقطت في مساحات فارغة، وأن القوات الأميركية نقلت جنودها ومعداتها قبيل الهجوم بساعات، ونقلت شبكة "فوكس نيوز" عن متحدث باسم القيادة الوسطى في الجيش الأميركي المسؤول عن منطقة الشرق الأوسط، أن عدداً من الصواريخ الإيرانية لم تصب أهدافها؛ ما يؤكد بشكل قاطع أن إيران أرادت من تلك الرشقات الصاروخية إحداث ضجة إعلامية فقط.

الرد "انتهى":

تهديدات شديدة اللهجة صدرت عن خامنئي والمسؤولين العسكريين الإيرانيين، تابعهم فيها زعيم مليشيا "حزب الله" اللبنانية "حسن نصر الله"، بأن ثمن مقتل "سليماني" سيكون إخراج القوات الأمريكية من الشرق الأوسط، بل إن أعلى مسؤول أمني لدى نظام الأسد "علي مملوك" ذهب أبعد من ذلك، واعتبر أن الرد سيصل إلى "تحرير فلسطين"!.

وزير الخارجية الإيراني اختصر قصة هذه التصريحات اليوم عقب الهجوم بالعراق، وقال "محمد جواد ظريف" إن ردّ بلاده على مقتل سليماني "انتهى"، كما نشر تغريدة على تويتر تقول إن بلاده لا تريد الحرب.

معطيات واضحة لا تقبل الشك ولا تحتاج مزيداً من التحليل، يستطيع المتابع فيها أن يطمئن إلى "نهاية الانتقام" الإيراني لمقتل سليماني. وإذا أردنا أن نرصد آثار تلك الرد بالأرقام، نجد أن إيران خسرت ثمن الصواريخ الباليستية التي أطلقتها فقط، فيما يبقى الحديث عن طرد القوات الأمريكية واستهداف مصالح الولايات المتحدة مجرد مادة للاستهلاك الإعلامي.

وبالعودة إلى سبب ذلك التصعيد الحاصل، والذي حذّر بعضهم خلاله من اندلاع "حرب عالمية ثالثة"،  يمكن القول إن إيران ورّطت نفسها بتضخيم صورة "سليماني" أمام جمهورها، ليتضح فيما بعد حادثة اغتياله لم تكن سوى حدث صغير عابر، تخلّصت فيه الولايات المتحدة من جنرال طالما أوغل بدماء السوريين والعراقيين، ولم تدفع ثمناً لذلك سوى سعر الصاروخ الذي أحال سيارة "سليماني" إلى كتلة من الحديد، وأحال جثته إلى قطع متناثرة دُفن صاحبها، ودُفنت معه أسرار كثيرة حول دوره الغامض في المنطقة على مدار سنوات.