الخميس 2018/05/31

توظيف المال لغايات انتقامية .. السعودية والإمارات نموذجا

كثيرة هي التشابكات والانقلابات التي حصلت في الملف السوري سياسيا وعسكريا، ففي الوقت الذي كانت فيه دولة محددة تدعم المعارضة السورية في بداية الثورة تجدها بعد سنوات انقلبت عليها وقبلت بسحقها وإنهائها وتفكيكها، وكذا الأمر ينطبق بالنسبة للموقف من بشار الأسد، كم من تقلبات عديدة في المواقف العربية والغربية حصلت إزاء الدعوة إلى رحيله وبقائه.

 

ربما كان السبب في تلك التقلبات هو مصالح الدول نفسها من القضية السورية، فكل طرف كان يعول من دعمه لفصيل أو جسم سياسي محدد على مكاسب مستقبلية وليس انطلاقا من واجب أخلاقي تجاه ما تعرض له السوريون من مجازر يندى لها الجبين، لكن ما يثير الغرابة أن بعض الدول وبعد أن فشل مشروعها بسوريا فشلا ذريعا باتت اليوم تتعمق بفشلها بشكل أكبر وتبتعد أكثر عن هدفها السابق، متجهة لفعل أقل ما يوصف بالصبياني ذي طابع انتقامي بحت.

 

نتحدث هنا عن السعودية والإمارات، فبعد دورهما الفاشل في سوريا الذي اختزلتاه في محاربة النفوذ الإيراني في سوريا لم يخل من وجود تواطؤ إماراتي في بعض الأحيان أفضى إلى تجميد جبهات في سوريا عبر الهيمنة بالمال، تتجه هاتان الدولتان في مفارقة غريبة إلى الرد على فشلهما بسوريا ليس على إيران التي يزعمان محاربتهما، بل على من كان يقف ولا يزال في صف الدعوات برحيل الأسد والحاضنة شبه الأخيرة للثورة السورية، وهذا ما انكشف من خلال توجههما لدعم منظمة تصنفها تركيا على أنها انفصالية إرهابية، كما يعدها السوريون كيانا معاديا انفصاليا شاركت نظام الأسد بمحاربة الثورة السورية، ولا يخفى أنها شنت عمليات عسكرية ضد المناطق المحررة بريف حلب ومتورطة بقتل واعتقال وتهجير آلاف المدنيين السوريين.

 

صيغة الدعم السعودي كشفتها وكالة الأناضول التركية حينما قالت إن مستشارين عسكريين سعوديين زاروا قاعدة خراب عشق في ريف مدينة عين العرب والتقوا قادة في مليشيات "ب ي د" وذلك بهدف تشكيل وحدات عربية في المنطقة، يشكل نواتها ما يسمى فصيل "الصناديد" أحد فصائل " قسد "، وذلك لتشكل تلك الوحدات إحدى القوى العسكرية في" قوات حرس حدود "التي تعهدت تركيا سابقا" بسحقها في المهد "لما سيشكله هذا الجيش المرتقب من خطورة مباشرة على تركيا.

 

بالطبع فإن أي تشكيل لمثل تلك الكيانات لا بد من أن يحصل على موافقة أمريكية، ومن المؤكد أن واشنطن مع دعم مثل تلك الكيانات المعادية لتركيا طالما أنها لن تكون هي الممولة لهذه الجهة بل المشرفة فقط، فالمال السعودي وبجانبه الإماراتي كفيل ليسد تكلفة هذا التشكيل، وقالت الوكالة التركية إن كل منتسب لذلك التشكيل سيتقاضى 200 دولار شهريا، كما كشفت أن السعودية أرسلت مساعدات لمليشيات "ب ي د" في سوريا في نيسان الماضي.

 

إذن هي خطوة سعودية إماراتية تستهدف تركيا بالتحديد، تندرج ضمن طابع انتقامي ردا على الموقف التركي من قضايا المنطقة التي تتعارض والمحور السعودي الإماراتي لاسيما في قضية حصار قطر، حيث دفعت تركيا بقوات عسكرية شكلت عائقا أمام مخططات دول الحصار لغزو قطر، كما قد تكون هذه الخطوة الإماراتية السعودية ردا على التحركات التركية الأخيرة في السودان وبالتحديد في جزيرة سواكن في البحر الأحمر التي كانت فيما سبق مركزا للأسطول البحري للدولة العثمانية في المنطقة، وقرر السودان منحها لتركيا بهدف إعادة تأهيلها وإدارتها مؤقتا وهذا ما عدته كل من السعودية ومصر مهددا للأمن القومي العربي وفق زعمهم، لكنها في واقع الحال تندرج ضمن الحضور التركي في البحر الأحمر ومحاولة تركيا إثبات نفسها أمام تصدر قوى أخرى للمشهد في دول الشرق الأوسط.

 

توظيف المال لغايات انتقامية برز كذلك في محاولة السعودية والإمارات إضعاف الليرة التركية خلال الفترة الحالية، ولا يخفى أن وزير الخارجية التركي كان يقصد الإمارات والسعودية بتصريحاته حول وجود دولتين عربيتين مسلمتين تقفان وراء الحملة ضد الليرة، لسنا هنا نؤول كلام أوغلو لكن ما حصل مؤخرا ويحصل اليوم من تحريض سعودي إماراتي متواصل وتورط أبو ظبي بدعم محاولة الانقلاب الفاشل عام 2016 كفيل ليفسر كلام جاويش أوغلو.

 

ويكشف ما تخبئه السعودية والإمارات ضد تركيا بسوريا بإشارات أو موافقات أمريكية عدم وجود أي استراتيجية حقيقية لهاتين الدولتين اللتين تجعلان من المال ومحاولات شراء الذمم أقصى جهدهما لتحقيق مكاسبهما بالمنطقة، وبمجرد موافقة أمريكا على خروج "ب ي د" من منبج أو غيرها من مناطق الشمال الشرقي من سوريا ستوقف الرياض دعمها مباشرة لتلك المليشيات، بينما تمضي تركيا بشكل أو بآخر معتمدة على نفسها دون تبعية مباشرة في قرارها إلى دولة أو أخرى كما الحال بالنسبة للرياض وأبو ظبي.