الأثنين 2016/03/28

تفجيرات بروكسل… والرسائل السورية !

ما من شك أن العمليات الإرهابية التي وقعت في العاصمة البلجيكية بروكسل، في 22 آذار/ مارس، وسارع تنظيم "داعش" إلى إعلان مسؤوليته عنها، تومئ إلى تطور جديد في الاستراتيجية التي يعتمدها الأخير للرد على العمليات العسكرية التي يشنها التحالف الدولي وبعض الأطراف الأخرى ضد مواقعه في سورية والعراق، حيث بات يتجه إلى اعتماد آليات جديدة في تنفيذ عملياته وتأسيس قنوات تواصل غير نمطية بين عناصره بعيدًا عن رقابة الأجهزة الأمنية.

تفرض "عمليات بروكسل" تداعيات عدة محتملة سواء على الحرب ضد التنظيم، أو حتى على بعض الأزمات الإقليمية في المنطقة، التي لا تنفصل تطوراتها عن تلك العمليات، لا سيما في سورية.

بصرف النظر عن تزامن هجمات بروكسل بعد أيام قليلة من إعلان أجهزة الأمن البلجيكية القبض على صلاح عبد السلام، فى 19 مارس 2016، وهو المشتبه بتورطه في هجمات باريس التي وقعت في نوفمبر 2015، حيث ألمح وزير الخارجية البلجيكي ديدييه رينديرز إلى أنه "كان يخطط لهجمات جديدة في بروكسل قبل إلقاء القبض عليه"، فإن الرسائل السورية من التفجيرات لا تكاد تقل خطورة عنه.

استمرار التنظيم في تنفيذ تلك العمليات لا ينفصل عن التطورات التي تشهدها الأزمة السورية تحديدًا، خاصة بعد الوصول لاتفاق وقف إطلاق النار، أو ما يسمى باتفاق "وقف العمليات العدائية" في سورية، منذ 27 شباط/ فبراير 2016، وإجراء مفاوضات جديدة بين نظام بشار الأسد وقوى المعارضة في جنيف، والتي انتهت جولتها الثانية منذ ايام، بشكل أدى إلى تركيز العمليات العسكرية على مواقع التنظيم، وفقًا للتفاهمات التي توصلت إليها القوى الدولية، لا سيما روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وبعض الأطراف الأخرى المعنية.

تنظيم داعش يريد من خلال هذه التفجيرات تسليط الضوء على حقيقة أن تفرغ الجميع لمحاربته بحجة محاربة الإرهاب واستثناؤه من الهدنة والقصف الروسي- الأمريكي في سورية، لم يمنعه من شن عمليات "نوعية" في قلب أوروبا المريضة اقتصادياً والبعيدة كل البعد عن عمليات استهدافه عسكرياً، وكأنه يحاول استجلاب التدخل الأوروبي إلى سورية عسكرياً ومالياً، إلى جانب الحليفين اللدودين (موسكو وواشنطن) وتوريط دول القارة المنهكة بالحرب معه واستنزاف إمكاناتها المادية، وهي غاية يتشاطر فيها مع كل من روسيا وأميركا، في واقع الحال!

وبعبارة أخرى، يمكن القول إن نقل العمليات الإرهابية التي يقوم بها التنظيم إلى بعض العواصم الأوروبية، يهدف إلى تقليص حدة الصغوط التي يتعرض لها التنظيم في سورية والعراق، والتي أدت إلى تراجع قدراته، نتيجة الخسائر المادية والبشرية التي منى بها، والتي أدت إلى فقدانه زمام المبادرة وتحوله من الهجوم إلى الدفاع للحفاظ على الأراضي التي ما يزال يسيطر عليها حتى الآن، لكنها في الوقت نفسه، تستدعي فاعلين دوليين للتورط في المستنقعين السوري والعراقي، لتمويل الحملات العسكرية في سورية والعراق، وهو ما سيؤدي إلى تجنيد المقاتلين الأوروبيين لصالح داعش من جهة، وتجند الدول الأوروبية لمواجهته عسكرياً ومادياً من جهة أخرى، وهو ما يريد كل من تنظيم داعش وواشنطن وموسكو معاً، وعليه، يمكننا أن نفهم سر وقوف المخابرات الأمريكية متفرجة على الإرهابيين وهم يستهدفون بروكسل ولم يحركوا ساكناً أو يبلغوا نظراءهم الأوروبيين!

كما لا يمكن استبعاد أن التنظيم يحاول، من خلال تلك العمليات، توجيه رسائل إلى المتعاطفين معه، تفيد أنه ما يزال قادرًا على استهداف مصالح الدول الغربية، رغم الضربات العسكرية التي يتعرض لها، بما يعني أن التنظيم يسعى إلى تجنيد مزيد من العناصر لتعويض خسائره البشرية التي أسفرت عنها العمليات العسكرية التي يشنها التحالف الدولي وبعض الأطراف الأخرى.

أهم ما في الرسائل السياسية للتفجيرات تزامنها مع انعقدا جولة مباحثات جنيف الأخيرة، ففي كل مرة تلتئم فيها المعارضة مع وفد النظام يتزامن ذلك مع تفجير ضخم يشيح بالأضواء عن المفااوضات وتفاصيلها، ويعيد تسليط الضوء على الملف المركزي الذي لطالما ظلت أبواق النظام وموالوه يرددونه في كل محفل دولي، وهو ملف مكافحة الإرهاب، وكما تزامنت تفجيرات باريس الأخيرة في نوفمبر الماضي مع الجولة السابقة، كان لابد من تفجيرات جديدة تتزامن مع الجولة الجديدة، ولا نستبعد ان تتزامن الجولة المقبلة مع تفجيرات أخرى ربما تكون أشد ضخامة لتفجير المباحثات الجارية في جنيف برمتها!