الخميس 2018/07/19

تغطية “الهولوكوست” بـ”المونديال”

يتحدث الكثير من العرب والغرب اليوم عن تحسّنٍ طرأ على صورة روسيا بعد استضافتها لبطولة كأس العالم التي انتهت قبل أيام.. وذهبت بعض وسائل الإعلام إلى الحديث عن صورة روسيا قبل المونديال وبعد.. ولعلّنا نتساءل: ما الذي يمكن أن يُحدث تغيّرًا في صورة روسيا "الوحشية" باستضافتها لبطولةٍ رياضية كبيرة؟

البعض يتحدث عن تنظيم البطولة بشكلٍ جيد، ويتحدث آخرون عن تجاوز التحديات الأمنية التي كانت تُهدد نجاح البطولة.. ووسائل إعلامية وإعلاميون يُخصصون ساعات من البث لمناقشة الفرق بين صورة روسيا قبل وبعد..

يقول أحد الإعلاميين الغربيين بما معناه: الآن اكتشفنا أن حكوماتنا كانت تشوّه صورة روسيا الحقيقة في أذهاننا واكتشفنا أن روسيا بلد عظيم والشعب الروسي شعب لطيف ومنفتح و إلخ...

أنا أعجب مما يدفع هؤلاء للشعور بتغيُّر صورة روسيا، فمتى كان الشعب والإعلاميون في عصر الإنترنت يستقون الصورة من الحكومات.. هل يخفى تاريخ روسيا الإجرامي على أحد.. وهل يخفى على أحد ما يفعله الروس الآن في سوريا وما فعلوه بالأمس في أوكرانيا.. وقبلها في الشيشان وأفغانستان ومحاولاتهم المستمرة لإخضاع جمهوريات الاتحاد السوفييتي بالقوة... وكل ما تقوم به روسيا من عنجهية للهيمنة على مجلس الأمن وقرار المجتمع الدولي.

مقابل ذلك.. نسأل: ماذا قدّمت روسيا للعالم يُمكن أن يُغطيَ على سياساتها القبيحة في الحروب؟ ونتحدث هنا عن روسيا الحديثة.. ولسنا بحاجة للعودة لسرد ممارسات الجيش الأحمر في الحرب العالمية أو في أفغانستان أو الشيشان أو غيرها الكثير، بل يكفي أن نرى ما يفعله الروس في سوريا ويكفي فقط أن نستعرض صور أطفال سوريا المهروسة أجسادهم تحت حطام منازلهم إثر قصف الطيران الروسي.. أو صور أقرانهم الذين اختنقوا بالغازات الكيماوية التي نفذتها قواتٌ مدعومةٌ من روسيا. من بين الكثير من الصور التي توضح حقيقة النهج الروسي في سبيل تحقيق المصالح.

فما الذي يفعله تنظيم بطولة "المونديال" في صورة روسيا؟

هل سيمحو التنظيم الجيد للبطولة، وامتداح روسيا بهذا الغزل المبتذل، الكابوس السوري الذي أرّق العالم.. والذي تُمثل روسيا عرّابه الأكبر؟ ولا سيما أن هذا الكابوس حاضرٌ وليس بحاجةٍ للتذكير فيه أو إعادة نبشه في الأذهان.

ربما لا أحد يعترض على أن الشعب الروسي شعبٌ مضياف ومنفتح على العالم وغير ذلك من التعابير التي تعوّدنا أن نجامل فيها بلدًا نزوره.. لكن ما الذي سيُقدّمه ذلك في سياق تجميل تاريخٍ طويلٍ من الأفعال الإجرامية في الحروب، وما الذي سيُقدّمه ذلك للشعب الروسي.. الذي سيستفيق من حلم "المونديال" ليُبصر الواقع من جديد.. ويرى نفسه أسير العقوبات الاقتصادية الدولية.. التي استهدفته في لقمة عيشه بسبب نهج نظامه العنجهي.. إضافةً إلى ما يُنفقه هذا النظام على حربه ضد الشعب السوري.

وماذا يُغطي كل ذلك من صورة الديكتاتورية الحمراء؟ وصورة النظام البوليسي والمافيا اللذين يتحكمان بقوة روسيا؟

في العموم ليست روسيا وحدها صاحبة هذا التاريخ الدموي.. لكننا كشعبٍ منهار.. عانى من سلسلةٍ طويلةٍ من العنف المتكرر.. لابدّ أن ننظر إلى التغيُّرات التي طرأت على النظام العالمي الجديد بإيجابية، وإذا أردنا أن نتعامل مع الشعوب الحديثة وفق أطروحة "نحنا ولاد اليوم".. التي تفرض علينا التعايش البنّاء.. بمعنى أن ننسى كل ما مورس ضدنا من مآسٍ على أن مرتكبيها ذهبوا.. وأحفادهم اليوم قد أقاموا حضارتهم الحديثة على أسسٍ ومبادئ أخرى تنبذ السابق؛ فلو أخذنا بهذا الرأي -على الرغم مما فيه من إجحاف- نجد أن روسيا تحديدًا لم تفعل شيئًا يُكفّر عنها تاريخها السابق المذكور.. فهي تستمرّ في دعس كل الأعراف والقوانين.. ولا تتوقف عن فعل أي شيءٍ وحشي في سبيل الوصول إلى المصلحة التي يراها "القيصر".

إعلامي عربي يقول إن روسيا نجحت في إيصال الصورة الحقيقة لها إلى العالم عبر المونديال.. وإن الإعلام الغربي شوّه صورة روسيا... وروسيا بلد آمن وجميل وغير ذلك..

إنك لا تستطيع تجاوز هذا القول دون التوقف لبرهة؛ والتساؤل: كيف يمكن لعربيٍّ يعتدُّ بثقافته أن يقف طرفًا في صراعٍ "طائفيِّ الأساس" بين الإعلام الغربي وروسيا؛ ويتناسى أن هذه القيادة التي يمتدحها مستعدّةٌ لدكّ بلاده وتدميرها في أية لحظةٍ من أجل برميل نفط.. أو حفنة ذهب.. ألم ندرك بعد أن العرب شعبٌ واحد وقضيةٌ واحدة ومصير واحد؟ وبالتالي فمن دمّر بلدًا وشرّد أهله من أجل قاعدةٍ عسكرية وبعض المكاسب الأخرى.. لن يتردّد في فعل ذلك مع البقية. هذا واقعٌ يتكرر مع العرب منذ مئات السنين.. عقب تفكك الدولة العباسية وفي دويلات الأندلس وعند غزو المغول والغزو الصليبي والمماليك وبعد تفكك الإمبراطورية العثمانية وإلى الآن. ربما لم يجد هذا العربيّ الوقت مناسبًا في "المونديال" ليتذكّر ما تفعله روسيا بحقّ إخوانه في سوريا.. لذلك آثر الحديث عما تفعله روسيا في "المونديال".