الأثنين 2019/03/11

تعليم الأطفال السوريين في تركيا.. عقبات ترهق الطلاب والأهالي

منذ العام 2017 بدأت الحكومة التركية بإغلاق مدارس التعليم المؤقت السورية، في خطوة قالت حينها إنها تستهدف دمج الطلبة السوريين بالمناهج التركية، وبالتالي دمجهم في المجتمع على المدى البعيد.

لاقت الخطوة حينها ارتياحاً من قبل البعض، بينما حذّر الغالبية من العملية التي قالوا إنها لا تخلو من سلبيات لا بد من الإقرار أنها ظهرت بالفعل بعد سنوات من هذا القرار.

قد يقول قائل إن الطلبة السوريين حققوا نتائج جيدة في المدارس التركية، لكن الأمر لا يقاس في الواقع على حالات معدودة استثنائية، فنجاح المسألة يتوقف على الحالة ككل لا على بعض الطلاب الذين أبدَوا تفوّقاً في المدارس التركية.

معظم من أخذنا آراءهم حول الموضوع تحدثوا عن إشكالياتٍ مختلفة تُرافق العملية التعليمية للأطفال السوريين في تركيا. ويمكن إجمال الحديث عن ناحيتين اثنتين:

من الناحية التعليمية:

لا بد من مواجهة حقيقة بسيطة، هي أن التعلُّم بشكل عام بلغة غير اللغة الأم، يُفقد الدارس نسبة كبيرة من حجم الاستيعاب اللازم. الطالب السوري يدخل المدرسة إما من مرحلة الصف الأول، أو من مراحل متقدمة، وفي الحالتين يجد نفسه أمام معلم يتحدث بغير لغته الأم، وبين طلاب لا يفقه منهم النسبة اللازمة للتواصل الاجتماعي المنشود، وبالتالي يواجه الطالب وأهله مرحلتين من التعلم، ترجمة المنهاج، ثم استيعاب مفرداته. يقول اللاجئ السوري (و.ه) إن لديه ثلاثة أطفال في المدارس التركية بمراحل مختلفة، ويشرح المعاناة التي يبذلها الأب والأم في متابعة التعليم والوظائف المنزلية التي يصفها بـ"المرهقة جدا"، من ناحية كمّيتها ومن الناحية الأهم أنها بلغة ثانية. ومن المهم هنا أن نشير إلى صعوبة اللغة التركية بالنسبة لمعظم السوريين في ظل عدم وجود خطة ممنهجة لتدريس التركية، ولا سيما أن السوريين ليسوا أصلا متفرغين لتعلم اللغة التركية وسط سعيهم المحموم لتأمين قوت يومهم.

المعلم التركي في نهاية الأمر يعامل طلابه بسوية واحدة، دون التفريق بينهم من حيث فروقُ اللغة والظروف. يقول بعض المعلمين الأتراك إن في الأمر فائدة -رغم صعوبته- تتعلق باكتساب الطالب اللغة عن طريق التكرار والمحاكاة، وهذا الأمر قد يكون صحيحا إذا كانت الغاية هي اللغة فقط، لكن إذا أخذنا بالحسبان أن الأمر يتجاوز اللغة إلى المادة التعليمية، فإن الأمر سيختلف.

هذا بالإضافة إلى مسألة في غاية الأهمية، هي أن السعي الحثيث وراء تفهم اللغة والمناهج، يُبعد الطالب كلياً عن لغته الأم، التي تحوي هويته النفسية والثقافية والاجتماعية. وكم قابلنا أطفالا سوريين في المدارس التركية باتوا بعد سنوات غير قادرين على التعبير عما يريدون من أهلهم باللغة العربية!.

من الناحية النفسية:

يتعلق الأمر هنا بعاملين اثنين:

الأول منهما بعامل اللغة الذي ذكرناه آنفاً، فالطالب يجد صعوبة حقيقية في الاندماج مع رفاقه في الصف بسبب حاجز فرق اللغة، ولا سيما إذا كان الطالب أكبر سناً من زملائه بسبب انقطاعه سابقاً عن الدراسة، ما يجعل التلميذ يعيش -إلى حد ما- في جو شبه منعزل في المدرسة، وما يحرمه تلقائيا من مناقشة رفاقه ومعلمه في الحصة الدرسية، أو اللعب مع أقرانه خارج الصف.

أما العامل الثاني فيتعلق بحقيقة يتم القفز عليها في العادة، وهي أن الشعب التركي منقسم أصلا بشأن تقبُّل وجود السوريين على أراضيه، فمع جهود الحكومة التركية في تطبيع القضية، وسعي معظم الشعب التركي إلى اعتبار السوريين إخوة لهم في وطنهم، إلا أننا لا ننكر وجود فئة -لا يُستهان بها- تعد السوريين دخلاء يجب أن يرحلوا إلى بلادهم، وتُعاملهم بعنصرية فجّة بعض الأحيان. وهذه موجة ركبتها المعارضة التركية واتخذت منها ورقة مساومة في جميع الانتخابات التي مرت بالبلاد. والخلاصة في الأمر أن الطالب السوري اللاجئ يعامَل في كثير من الأحيان معاملة تختلف عن بقية أقرانه في الصف وخارج الصف.

أمام هذه الحقائق التي يعيشها الطلاب السوريون وذووهم، صار الأهالي أمام خيارات محدودة، أحلاها مر كما يقال، إما أن يرسل الأهل أولادهم إلى المدارس التركية على الوضع القائم، وإما أن يتوجه الميسورون منهم فقط إلى خيار المدارس العربية الموجودة في الولايات التركية، التي تبلغ تكلفتها مبالغ طائلة لا يستطيع تحمُّلها معظم اللاجئين السوريين، إضافة إلى المدارس الدولية التي تبلغ تكلفة العام الدراسي الواحد فيها مبلغ 6000 دولار للطالب الواحد!. أما الخيار الذي يلجأ إليه الكثير من اللاجئين السوريين أمام هذا الواقع، فهو عدم إرسال أطفالهم إلى المدارس، وهنا كشف تقرير صادر عن "نقابة اتحاد قطاع التعليم في تركيا" في العالم 2018 أنّ نحو 450 ألف طفل سوري لاجئ في تركيا (من إجمالي نحو مليون طفل) هم خارج العملية التعليمية التربوية، في حين يتلقى التعليم فقط نحو 54 ٪ من الأطفال، على الرغم من التسهيلات التي حاولت الحكومة التركية توفيرها.