السبت 2019/06/08

ترامب وابن زايد وابن سلمان وحمار ملك أورشليم!

الثلاثة هؤلاء: ترامب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، ومحمد بن سلمان ولي عهد العرش السعودي، ومحمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي، يقومون بعمل لم يسبقهم أحد إليه لا على المستوى الغربي والأمريكي بالنسبة لترامب، ولا على المستوى العربي والإسلامي بالنسبة للآخرين.

لطالما أدرج مرشحو الرئاسة الأمريكيون في وعودهم الانتخابية نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وبالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي، لكسب أصوات الناخبين اليهود وجماعات الضغط اليهودية القوية في الولايات المتحدة، لكن أحداً لم يفعل ذلك، وكان اليمين اليهودي المتطرف يتفهم ذلك، ويعاود انتخاب هؤلاء المرشحين في كل مرة انتظاراً لحصول فرصة على عهد واحد منهم تتيح له تنفيذ وعوده، حين تكون الظروف الدولية مهيأة لمثل هذه القرارات.

ما الذي تغيّر هذه المرة في البيت الأبيض لينفّذ الرئيس وعوده؟

ليس إيمان الرئيس قطعاً، فقد سبقه رؤساء أكثر منه إيماناً بالعقيدة الإنجيلية الصهيونية التي تؤمن بالنبوءات التوراتية حول "أرض الميعاد" لكن داخل البيت الأبيض علامة فارقة لم تكن موجودة هي مستشار الرئيس وصهره زوج ابنته، رجل المال والأعمال اليهودي "جاريد كوشنير".

مشروع كوشنير يرتكز على ثلاث نقاط أساسية:

الأولى: الاعتراف بالقدس عاصمة بدل تل أبيب، وهو ما حصل قبل أن يُتمّ ترامب عامه الأول في البيت الأبيض حين أعلن في 6/12/2017 قراره حول ذلك.

الثانية: نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، الذي حدث بتاريخ دقيق جداً ينبئ عن رمزية هذا الحدث، حين تم اختيار يوم 14/5/2018 لافتتاح السفارة بالتزامن مع الذكرى السبعين لتأسيس الدولة اليهودية، فيما هذا التاريخ على الجانب الفلسطيني يعني الذكري السبعين على "يوم النكبة"، وفور ذلك صوّت الكنيست الإسرائيلي على قانون "الدولة القومية"، الذي يمنح اليهود دون غيرهم من مواطني الكيان الإسرائيلي حق تقرير المصير.

الثالثة: "صفقة القرن" أو "خطة السلام بالشرق الأوسط"، وتسوية القضية الفلسطينية ووضع الحل النهائي لها، ويبدو أن هذه الخطة قد دخلت البيت الأبيض مع دخول ترامب إليه، بمعنى أنها كانت مشروعاً معدّاً سلفاً يتوّج النقطتين السابقتين، والنقاط الثلاث مجتمعة كانت هي الأخرى جواز سفر ترامب نحو المقعد الرئاسي الأمريكي.

حسب الظروف التي كان يمكن أن تواجهها "ثلاثية كوشنير" هذه، وُضع بموازاتها مشاريع تسهّل الوصول إليها حين تتعقّد الأمور، أو توصد بعض الأبواب في وجهها، وهذه المشاريع تسير في مسارين متوازيين:

المسار الأول: مسار رفع المخاطر ونشر الفوضى في المنطقة لجعل تل أبيب تبدو أخفّ الأخطار المتوقعة، وأن السلام معها سيعيد الهدوء والاستقرار الأمني والاقتصادي والسياسي للمنطقة كلها.

من نقاط هذا المسار كان الاعتراف بسيادة تل أبيب على الجولان السوري المحتل، وتأزيم العلاقات الأمريكية التركية، وحصار قطر، وتصعيد حرب اليمن، وتشديد العقوبات على إيران، وعدم السماح بحدوث حل سياسي للحرب في سوريا، والأزمات الداخلية المزمنة في كل من لبنان والأردن والعراق ومصر، والنزاع الفلسطيني-الفلسطيني بين الضفة وقطاع غزة، والربيع العربي القادم حديثاً إلى الجزائر والسودان.

التدخل الأمريكي الإسرائيلي في هذه الملفات قد لا يكون افتعال هذه المشاكل ابتداء كي نبتعد عن نظرية المؤامرة، لكنه يستفيد منها بلا شك في الصمت عن كثير من الممارسات التي تجري، أو يتدخل بطريقة تزيد من إشعال فتيل هذه الأزمات. يمكن أن نسمّي هذا المسار "حافّة الفوضى".

المسار الثاني: مسار الدبلوماسية الناعمة والخشنة، وتمثّل في محاولة إخضاع الفلسطينيين وانصياعهم وقبولهم بكل الخطوات الأمريكية والإسرائيلية السابقة، وهو ما لم يحدث إلى الآن، ما وضعهم تحت عقوبات غير مسبوقة من الولايات المتحدة بقطع المساعدات بشكل كامل عن وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، مع ترافق ذلك بعرض من الولايات المتحدة بتوجيه هذا الدعم إلى دول الجوار مقابل توطين اللاجئين الفلسطينيين على أراضيها. في رسالة إلكترونية من كوشنير لبعض كبار المسؤولين الأمريكيين مطلع هذا العام: "هذه الوكالة تديم الوضع الراهن، فاسدة وغير فعّالة ولا تساعد السلام".

في كلا المسارين اعتمد كوشنير على ثلاثة شركاء رئيسيين: ترامب في الإدارة الأمريكية، ووليّي العهد السعودي والإماراتي في المنطقة، ففي المسار الأول تولّى ترامب تأزيم العلاقات مع تركيا وإيران، فيما قاد ابن سلمان وابن زايد محور الثورات المضادة للربيع العربي، والعمل على تهيئة الأجواء في المنطقة لتمرير صفقة القرن.

الأرض مقابل السلام، السلام مقابل السلام، المال مقابل السلام: هكذا تدحرج هذا المبدأ بين تل أبيب وجيرانها العرب والفلسطينيين على حد سواء، فلا إعادة للجولان، ولا حل دولتين بقي له وجود، فقط أموال تملأ بطون الفلسطينيين الجوعى، والخيار الثاني بيد كوشنير كان قد ذكره أيضاً في رسائله الإلكترونية حين كتب "لا يمكن أن يكون هدفنا الحفاظ على استقرار الأمور كما هي. ... في بعض الأحيان يتعيّن عليك المخاطرة استراتيجياً، كسر الأشياء من أجل الوصول إلى هناك"، لذا فاليهود يريدون صفقة السلام بأي شكل من الأشكال فهي حسب اعتقادهم بوابة "بناء الهيكل" على أنقاض المسجد الأقصى، فإن لم تأت عن طريق المال عصب سياستهم العالمية بمساعدة أثرياء الخليج، وإلا فسيضعون المنطقة على "حافّة الفوضى".

من نبوءات "الكتاب المقدّس (سفر زكريا 9: 9) اِبْتَهِجِي جِدًّا يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ، اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَ ذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ، وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ".

كوشنير يمنّي نفسه أن يكون ملك أورشليم الذي تهتف له بنات صهيون، ولديه حماره الذي يريد دخول القدس به، لكن يبدو أن لديه أكثر من حمار يحتاجها قبل أن يرميها على قارعة الطريق.