الأثنين 2018/10/22

“ب ي د”.. عائدات الحرب والسلام!

لم ينل الشعب السوري من الدول العظمى التي أعلنت وقوفها ضد الأسد إلا على الوعود الخاوية، والتنديدات الفارغة، وقليلاً من مساعدات إنسانية خجولة.. ومشروطة.

وضع "فيتو" مبكر يمنع وصول أي أسلحة "فتاكة" للثوار السوريين، في الوقت الذي كان فيه حلفاء الأسد يمدّونه بكل أسباب البقاء والقوة المادية والعسكرية. ولم تكتف الولايات المتحدة بعدم إرسال "السلاح الفتاك" للثوار، بل إنها منعت حلفاءها كذلك من إرسال هذه الأسلحة، فظهرت الدول العظمى في سوريا بلداناً عاجزة وفقيرة عن مجابهة النظام وروسيا وإيران.

في مقابل هذا المشهد، يتشكّل خريف العام 2014 تحالف عسكري دولي بقيادة الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم الدولة، الذي كان حينها قد سيطر على مناطق واسعة شمال وشرق سوريا، ووجدت واشنطن على الأرض حليفاً مثالياً بالنسبة إليها، حليفاً لا يعتبِر الأسد عدواً، ولا يعتبر سوريا وطناً.. مليشيات "ب ي د" الانفصالية التابعة لحزب العمال الكردستاني المصنّف إرهابياً في تركيا وأوروبا والولايات المتحدة.     

 

بعد شُح طويل.. أغدقت الولايات المتحدة مساعداتها العسكرية لـ"ب ي د"، ومنحته من الأسلحة والذخائر والمستشارين العسكريين والعربات العسكرية والدعم اللوجستي ما لا يختلف عن دعم أي جيش نظامي في العالم، فقد نال الانفصاليون كل مقومات القوة.. ما عدا الطائرات.. ولِمَ يحتاجون الطائرات ما دامت المقاتلات المتطورة في العالم تحت خدمتهم وبانتظار إشارة منهم؟؟

 

لسنا نكتب هذا الآن لنقول إن الولايات المتحدة غضّت الطرف عن الإرهاب الأكبر.. إرهاب بشار الأسد.. وصنعت عدواً آخر لم يكن سوى صنيعة للحرب التي أعلنها بشار ضد السوريين.. بل للوصول إلى مرحلة ثانية، تجني فيها مليشيات "ب ي د" ثمار حربها هي الأخرى في مناطق استنسخت فيها ممارسات نظام الأسد من قتل وتعذيب وتجريف للقرى وانتهاكات قالت منظمات حقوق الإنسان الدولية إنها ترقى إلى مرتبة "جرائم الحرب".

 

مع اقتراب نهاية المعارك ضد تنظيم الدولة، يأخذ دعم "ب ي د" شكلاً ثانياً تحت عنوان "إرساء الاستقرار وإعادة الإعمار".. نفس الدول التي قدمت للمليشيات الانفصالية فاتورة مفتوحة من أدوات التدمير، تقدم لها اليوم ملايين الدولارات واليوروهات، لتقود تلك المليشيات مرحلة أخرى تبرز عنصريتها.

 

بشكل متزامن .. أعلنت فرنسا أنها خصّصت 30 مليون يورو "لدعم مشاريع إنسانية ومشاريع إرساء الاستقرار في شمال شرق سوريا"، بينما قدمت السعودية للولايات المتحدة مبلغ 100 مليون دولار للغرض نفسه، وسبقتهما الحكومة الألمانية بتخصيص 10 ملايين يورو "لاستعادة الخدمات الأساسية في محافظتي الرقة ودير الزور".

 

نقول.. لا أحد ضد إعادة تأهيل تلك المناطق التي عانت التهميش والإهمال على يد نظام الأسدين، لتدفع في عهد الثورة فاتورة باهظة من الدمار والقتل والتهجير، وفق إحصائيات كشفت مستويات مخيفة لما حل بمحافظتي دير الزور والرقة.. لسنا أبداً ضد مبدأ أن يكفّر العالم عن أخطائه في سوريا عبر دعم المناطق الخارجة عن سيطرة الأسد.. لكن المشكلة أن تلك الملايين لن تذهب فعلاً إلى السوريين كما تقول بيانات الدعم والعطاءات.. بل تتحول بشكل مباشر إلى موارد إضافية في يد "ب ي د".

 لا بد هنا من فهم مجموعة من الحقائق لا يمكن بأي حال أن تجهلها باريس أو واشنطن أو برلين أو أي دولة داعمة لمليشيات "ب ي د".. في القرى والمدن التي تسيطر عليها "ب ي د".

 في محافظة دير الزور لا تزال أحوال الناس مأساوية، ولا تزال مناطق كاملة تمتد مئات الكيلومترات خالية من المراكز الصحيات والمستشفيات والخدمات اللازمة لحياة الإنسان. لا تزال المدارس في آخر اهتمامات "ب ي د".. والصور والفيديوهات الواردة من هناك تدعم هذه الصورة قطعياً.

وفي الرقة.. لا يزال الناس يعيشون على أمل استعادة مدينتهم بلا طائل.. فبعد عام على "تحريرها" لا تزال الأنقاض والألغام والجثث سيدة المشهد، وطالما أفاد شهود عيان بأن الأهالي يقومون بترحيل الأنقاض وعمليات الإصلاح الممكنة على نفقتهم الخاصة.. فلمن إذن تذهب هذه الملايين التي تحصل عليها "ب ي د"؟.. الدول المانحة تعرف الجواب جيداً، وتتعامل مع الأمر بإهمال جيد أيضاً.. ليكون نصيب المناطق الشرقية من سوريا "قسمة ضيزى" في عهود البعث والثورة وتنظيم الدولة.. و"حلفاء" الدول العظمى!