السبت 2018/03/31

بعد تصريحات بن سلمان عن “بقاء الأسد”: يا طويل العمر .. دماء مليون سوري ليست “شركة أرامكو”!

في تاريخ 05‏/08‏/2017 نشر موقع قناة الجسر رسالة مسربة مفادها أن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أبلغ الهيئة العليا للمفاوضات التي كانت في زيارة بالمملكة أن بشار الأسد "باقٍ في السلطة"، وأن عليها إيجاد صيغة تناسب هذا الواقع للتعامل مع المجتمع الدولي.

يومها وقع هذا التسريب موقع الصاعقة على متابعي الشأن السوري، الذين سمعوا من الوزير السعودي نفسه عبارة كرّرها آلاف المرات .."الأسد سيرحل سياسياً أو عبر الحل العسكري"، وتعامل المحللون مع الرسالة المسربة ما بين الشك واليقين، حتى إن وزارة الخارجية السعودية أصدرت بعد ساعات بياناً نفت فيه مضمون التسريب، ولو أن صيغة النفي كانت أقرب للإثبات في واقع الأمر.

لم يطل الأمر كثيراً حتى ثبتت صحة ذلك التسريب ليس من لسان الجبير نفسه، بل من لسان ولي العهد السعودي الذي يقوم اليوم مقام الملك نفسه بعد إزاحة أكبر وأصغر منافسيه من المشهد العسكري والأمني والسياسي.

في مقابلة مع مجلة "تايم" الأميركية مساء الجمعة كان محمد بن سلمان في قمة الشفافية، حين قال "إن بشار الأسد باقٍ، ونأمل ألا يتحول إلى دمية بيد إيران".

وتزامن كلام بن سلمان مع حديث لترامب حول عزمه سحب القوات الأميركية عن سوريا.

بالنسبة للذين أيقنوا بصحة التسريب في شهر آب الماضي، فإن كلام بن سلمان لم يكن مفاجئاً البتة، بل هو يمثل عنواناً عريضاً تسير عليه الرياض في طريقة تعاملها مع الملف السوري، مفاده: "نعم للأسد لا لإيران"، وترجمته أن المملكة لم يعد لها اعتراض على بقاء بشار الأسد في السلطة، لكن المأمول لديها هو تقليم أظافر إيران بالمنطقة للمحافظة على توازن القوى "غير المعلن" بين طهران والرياض.

لا يحتاج المرء كثيراً من التدبر لوضع يده على نقاط الاستفزاز التي وجهها "بن سلمان" لتضحيات السوريين على مدار أكثر من سبع سنوات. فالرجل الذي يسعى اليوم إلى استعلاء عرش بلاده عبر صفقات معلنة أو سرية، جعل دماء أكثر من مليون سوري مجرد "صفقة" قابلة للبيع والشراء في مزاد علني فتحه على مصراعيه في سوريا وفلسطين ومصر والجزيرة العربية.

السوريون اليوم يسألون بن سلمان .. أين كنت وكم كان عمرك حين خرج السوريون عام 2011 بصدور عارية للتظاهر ضد أعتى الأنظمة الدكتاتورية في العالم؟.. وماذا فعلت ملياراتك لمئات الآلاف ممن حوصروا وحوربوا على لقمتهم مقابل الاستسلام والإذعان؟

ربما لا يدرك ولي العهد السعودي الذي يحسب أن كل ما في الكون يباع ويشترى "على طريقة سيده ترامب" أن السوريين حين انتفضوا قبل أعوام لم يكونوا يعولون أصلاً على أصدقاء أو حلفاء أو داعمين، بل دعونا نقول إن السوريين كانوا بألف ألف خير لو تركهم "الحلفاء والأصدقاء والداعمين" لشأنهم يقررون إدارة ثورتهم ومصير بلدهم.

اللافت والمستفز جداً أن حديث بن سلمان عن "بقاء الأسد" لم يصدر من أكثر الدولة دعماً للأسد ..روسيا.. التي أنفقت على دعم بشار المليارات، وحركت لحمايته من السقوط أساطيل وبوارج وجيوشاً، لم تصرح حتى الآن أن بشار الأسد سيبقى، بل إنها حرصت أكثر من مرة على أن السوريين هم من يقررون من يحكم بلادهم، وقال الكرملين في أكثر من مناسبة إن دعم روسيا ليس لشخص بشار بل "للدولة السورية"، فهل بات السيد ولي عهد السعودية بوتينياً أكثر من بوتين، وهل صار أسدياً أكثر من حلفاء الأسد؟

ما يهمّ السعودية اليوم هو ألا يصبح الأسد دمية بيد إيران، كي لا تتمدد إيران في سوريا على حساب السعودية، وكأن الساحة السورية كانت على مدار أعوام مفتوحة فقط للإيرانيين! نعم .. كان الإيرانيون – يا ولي العهد – ماضين في مشروعهم على قدم وساق، في الوقت الذي كانت فيه أدواتكم وأموالكم تعبث بالثورة حتى النخاع، ثم تأتي العدسات لتصور مساعداتكم "رزاً وبطانيات وخياماً"، الفرق بينكم وبين الإيرانيين – يا ولي العهد – أن إيران أعطت لحليفها الأسد أراضيَ ومناطق، وأنتم لم تقدموا للسوريين إلا خياماً .. ومؤامرات !!!

اليوم بعد أن عبثتم بالثورة ما شاء الله لكم أن تعبثوا، وباتت مصالحكم تدوس دماء السوريين بكل وقاحة، هل من الممكن أن تتقبل من السوريين رسالة صريحة، يكتبونها بعد أن تجاوز عدّاد القتل بهم حاجز المليون، وبات عدد المهجرين واللاجئين منهم يساوي نصف عدد سكان مملكتك.. دماء السوريين ليست "شركة آرامكو" كي تبيع وتشتري في أسهمها كما تشاء، وقضية من يحكم السوريين لا تشبه بأي حال قصة وصولك إلى ولاية العهد بعد أن سجنتَ وأزحتَ وقضيتَ على كل معارض.. أنت – يا ولي العهد – طاغية لا يختلف كثيراً عن بشار الأسد، وكنا نعلم جيداً أن الطغاة لا يمكن أن يساعدوا شعوباً ثارت على طغاتها، ونعلم كذلك أنكم أكبر أعداء "موجة الربيع العربي"، وأنكم تآمرتم على ثورة السوريين والمصريين والليببيين، كنتم تريدون فشل الثورات العربية كي لا تعرّيكم أمام شعوبكم الظمأى كذلك للحرية.. أنت ببساطة لا يمكن أن تحدد بقاء الأسد من عدمه، وهذا مفروغ منه، ولم ينتظر السوريون منك أكثر مما صدر منك.. وهذا أيضاً مفروغ منه.. ما لا تعلمه  - يا طويل العمر – أن أعمار الشعوب أطول بكثير من أعمار جلاديها، وأن الباقي - بعد وجه الله - هو الشعوب، أما الحكام – يا طويل العمر – فإن وكلاءهم وسادتهم يبيعونهم ويشترونهم بالدولارات.. والأيام دول.