السبت 2017/06/10

بعد أستانا.. “الأحمر” يتمدد و”الأخضر” سجين.. يحرق نفسه بنفسه

منذ تجمد معارك الثوار في الأرض السورية بعد اتفاقية تخفيف التصعيد ونحن نتابع على وسائل التواصل الاجتماعي صور تغير ألوان الخارطة السورية وكيف يتمدد فيها اللون الأحمر على حساب اللون الأسود، بينما الأخضر يراوح مكانه وفي بعض المواقع يُحرِقُ نفسَه بنفسه. 

بعد مضي نحو أربعين يوماً على سريان الاتفاقية كان لا بد لنا من كشف حساب فاتورة الاتفاق بالورقة والقلم، ماذا حقق كل طرف حتى اللحظة من خلالها ؟

الطرف الأول - "نظام الأسد وروسيا وإيران" :  

جنى نظام الأسد حتى اللحظة من هذه الاتفاقية مكسبين؛

الأول: سياسي وهو منحه صبغة محاربة الإرهاب بعد أن لملم قواه وسيَّرها نحو المواقع الخاضعة لتنظيم الدولة بدعمٍ جوي روسي ومليشيوي إيراني.

الثاني: وهو الأهم والذي ترمي إليه روسيا من اتفاق أستانا، ألا وهو التقدم الميداني الذي حصل في مواقع لم يكن النظام يحلم بمجرد الوصول إليها.

ففي حلب.. ضم النظام إلى سيطرته كامل الريف الشرقي منتزعاً بشكل تدريجي مدينة دير حافر ومطار الجراح العسكري والعشرات من القرى والبلدات وصولاً إلى مدينة مسكنة، وفتح ذلك شهوته طارقاً أبواب ريف الرقة الغربي والذي قد يمهد لدخوله في معارك مدينة الرقة.

وفي حمص.. انتزع النظام كامل ريفها الجنوبي مسيطراً على آلاف الكيلو مترات، وكان لذلك وقع خطير على المناطق المحررة، فبتلك السيطرة تم عزل القلمون الشرقي بشكل تام وتضاءلت الآمال بفك الحصار عنه بعد أن كانت منتعشةً بشكل كبير، إضافة إلى أنه قطع الآمال بوصل بادية الشام وبادية حمص والقلمون الشرقي ببعضها، ومن ضمن مكاسب النظام أيضاً في حمص السيطرة على مواقع وحقول نفطية في ريف تدمر، هذا إضافة إلى إتمام تهجير أهالي حي الوعر الحمصي.

أما في محاور البادية السورية.. فشن النظام عمليةً عسكرية كبيرة، ويدور الحديث الآن عن وصوله إلى الحدود العراقية التي كانت خطاً أحمرَ بالنسبة للتحالف وتدخّلَ عدةَ مرات لمنع ذلك، وقد استبق هذه الأحداثَ بانتزاع حواجز ظاظا والبحوث العلمية التي كانت بيد الجيش الحر، فضلا عن تقدم آخر عبر هجومٍ امتد إلى ريف السويداء الشرقي ليسيطر على مواقع أهمها؛ سد الزلف الذي كان يخضع للجيش الحر.

وفي دمشق.. استفرد النظام بأحياء العاصمة الشرقية التي كبدته العشرات من القتلى والجرحى فضلاً عن الخسائر المادية الكبيرة، ليفرض فيما بعد التهجير القسريّ على تلك الأحياء.

وفي حماة.. شن النظام عملية عسكرية في ريف مدينة السلمية، وكان لافتا أن الهدف منها توسيع الطوق على الريف الشمالي لحمص بشكلٍ أكبر، لكنها لم تحقق الهدف المطلوب.

وفي درعا.. استقدم تعزيزات عسكرية ضخمةً وبدأ حملةً في حيي سجنة والمنشية لكنها فشلت بعد صمود الثوار هناك، وصد الهجمات لتتعرض المدينة فيما بعد لحملة هستيرية من الغارات الجوية للنظام والروس تنذر ببداية سيناريو كارثة أحياء حلب الشرقية.

الطرف الثاني - "الثوار وتركيا" :

قد تتفاجأ إن علمت أن الجيش الحر بكل مكوناته إضافة لهيئة تحرير الشام لم يضموا إلى مناطق سيطرتهم شبراً واحداً منذ تخفيف التصعيد، بل على العكس فإنهم في الكثير من المواقع التي يسيطرون عليها تصدوا لهجمات متكررة كان يشنها النظامُ عليهم، ولا سيما في درعا والغوطة الشرقية وشرق حلب وريفَي حماة الشمالي والجنوبي.

حتى عملية البوكمال التي أُشيع أن الجيش الحر سيقوم بها يبدو أنها بعيدة المنال ولا تزال العمليات مقتصرة على صد النظام أو استرجاع النقاط التي سيطر عليها في البادية، وإن صح ان النظام وصل إلى الحدود العراقية فهذا يعني أن الحلم تلاشى وأصبح طي النسيان. 

يضاف إلى التوغل الكبير في جميع الجهات أمرٌ أشد إيلاماً من كل ذلك، وهو أن توقف معارك الفصائل جعلها تحتك ببعضها بشكل أكبر، الأمر الذي دفع إلى مزيدٍ من التصعيد والاقتتال الداخلي الذي يكاد يحرق فصائل الغوطة الشرقية، فضلاً عن الاحتقان الذي يحصل بين فصائل تابعة للحر وهيئة تحرير الشام في محافظة إدلب، وكل ذلك كان نتيجةَ أن الفصائل لم يعد لديها ما تُمضي وقتها به سوى أن تشتغل ببعضها. 

وأما تركيا فإنها أيضاً خرجت خالية الوفاض من هذا الاتفاق، فمطلبها الذي كانت تشدد عليه بالحظر الجوي والمناطق الآمنة لا توجد أي مؤشرات عليه، ولا يصح اعتبار مناطق تخفيف التصعيد آمنة بالمفهوم التركي الذي كان يشدد سابقاً على ضرورة إنشائها دولياً، وليست هذه التي تمَّت على المقاسات الروسية الإيرانية.

بماذا يمكن أن توصَف هذه الاتفاقية سوى أنها تنهش من جسد الثورة وتأكل من عمرها مع انقضاء كل يوم، ثم ما هو هدف هذا الاتفاقية على المدى البعيد وما مستقبلها؟ هل أصبح مطلب وقف القصف هو المنى؟ ، ألم تدرك فصائلنا بعد أن هذه الاتفاقية تركتها كـ " المربوط والمرعى خصيبُ "، بينما النظام يتحرك في أي اتجاه أنى شاء في عمليةٍ قد تمهدُ وتسهّل ابتلاع المناطق المحررة مستقبلاً !