الجمعة 2018/07/13

انتظروا أردوغان العربي

قبل يومين من أدائه اليمين الدستورية صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تصريحاً قال فيه  " عندما يفوز حزب العدالة والتنمية تنهمر دموع الفرح من العيون وتسيل على الخدود، وترتفع الأيادي للدعاء في أنحاء العالم كافة".. قد يقول البعضُ إن هذا التصريح تسويقيٌ يندرج ضمن تصريحات أردوغان في خطبه التي يعتمد فيها على إبراز نفسه كونه "سياسيٌ محنك" كما وصف نفسه، لكن ما حدث قبل وبعد الانتخابات التي جرت في 24 حزيران الماضي فيه تأكيدات لا حصر لها تؤكد صحة ما قاله أردوغان، ففي ليلة الانتخابات وقف مئات الآلاف إن لم نقل الملايين في العالم العربي خصوصاً والإسلامي عموماً على أعصابهم منتظرين لحظة إعلان الفوز بعد دعوات كثيرة بتمني الفوز له.

ازدياد شعبية الرئيس التركي في الأوساط العربية كان ظاهراً وبشكل يفوق حتى ما يجري بعد الانتخابات في الدول العربية (هذا إن شهدت انتخابات نزيهة أصلاً). فلوحظ بشكل كبير في سوريا مثلاً والعراق والأردن ولبنان والخليج العربي وفلسطين بل وحتى من اللاجئين العرب في دول الشتات بالغرب أن الكثير منهم استبدل صورة بروفايله على وسائل التواصل الاجتماعي بصورة أردوغان وهنأه بالفوز في الانتخابات، بل وحتى تداول الكثيرون على برنامج وتس أب مقاطع فيديو كثيرة وصوراً تشيد بأردوغان وتتنمنى فوزه. حالة نادرة لم يسبق أن حدثت في مكان ما بالدول العربية على الصعيد المحلي أو الخارجي، خذ مصر مثالاً. حدثت فيها قبل مدة ليست بالطويلة انتخابات ، تعامل معها معظم المصريين بالسخرية ووصفوها بأنها استفتاء، في سوريا الأمر نفسه وفي معظم الدول العربية غالباً ما تظهر نتيجة الانتخابات حتى قبل حدوثها بأيام، فلا تجد مظاهر الفرح مثلاً حقيقة كما حدث في تركيا ، بل يقتصر النظام العربي على محاولة إظهار مشاهد فرح بفوزه، والجميع يعلم أن أذرع المخابرات هي من تقوم بتلك الاحتفالات وبعض الأبواق الأخرى المحسوبة عليها.

أبعاد محبة أردوغان في الوسط العربي باتت تأخذ حيزاً أكبر خاصة مع حالة الترهل غير المسبوقة التي وصلت إليها الدول العربية من تنازل يتلو تنازل بدءاً من سوريا وصولاً إلى فلسطين والعراق ولبنان واليمن وغيرها من الدول التي تكاد تُمحى فيها الهوية العربية الإسلامية، حيث يجد "العربي المنكوب" في أردوغان ما لم يجده في غيره من الزعماء المسلمين من دفاع متواصل عن قضايا سوريا وفلسطين وغيرها، ومهاجمة الغرب الذي طالما اتهم زعماءُ فيه الإسلامَ بالإرهاب ومن بينهم ترامب الذي يسعى الكثيرون الآن من زعماء العرب إلى استرضائه ولعق حذائه.

ما يعززُ ما ذكرناه أعلاه.. ظهور "أردوغانين عرب" إن صحَ التعبير في العديد من الدول العربية، فتجد الكثير من العوائل في العديد من الدول العربية باتت تسمي مولودها باسم أردوغان، ولا شك لهذا الموضوع أبعاد عدة ورسائل حاضرة ومستقبلية إن دلت على شيء إنما تدل على المكانة التي يحظى بها أردوغان في قلوب العرب الذين اندفعوا لمحبته دون وجود أي تأثير خارجي عليهم.

في الأردن على سبيل المثال وصلت أعداد من سموا أبناءهم باسم أردوغان إلى 26 في العديد من المدن في المملكة بحسب مصدر موثوق لقناة الجسر من داخل الأردن، ومن الجدير بالذكر أن من يطلق هذه التسمية ليس لاجئاً يعيش في تركيا كي يقدمها تعبيراً عن الامتنان، بل إنهم مواطنون يعيشون في الأردن والبعض منهم له شهرة واسعة.

قناة الجسر أجرت لقاءً مع أحد هؤلاء الأشخاص، وهو الأستاذ "أحمد حسن الزعبي" المشهور ببرامج ساخرة عدة تنتقد الواقع العربي، يقول في حديث مع الجسر إنه سمى ابنه بأردوغان لأننا " متعطشون للرمز متعطشون لنموذج قريب من العرب ينهض بالبلاد ويخدم الشعب ويدافع عن مصلحة الوطن كأردوغان، صرنا نشتاق للعزة بعد أن أتخمتنا الهزائم والذل" .

وأجاب الزعبي على سؤال حول ما إذا كان من الممكن أن تحدث تجربة العدالة والتنمية في الدول العربية في ظل الأنظمة الحالية بقوله "جميعنا يعرف الانظمة العربية صناعة أين. بريطانيا فرنسا أمريكا وهؤلاء يعاملون الزعماء كمدراء فروع لدولهم لن يسمحوا بديمقراطية ناضجة وحقيقية في بلادنا، لذا لا أتخيل أن يُسمح لحزب مثل العدالة والتنمية أن يولد على أرضٍ عربية مرهون قرارها للغرب".

هذه صور لشهادة ولادة أردوغان الزعبي في مدينة الرمثا الأردنية

 

على الحالة السورية مثلاً هناك أكثر من عائلة سمت أبناء لها باسم أردوغان وبعض منهم وُلدَ له 3 تواءم فأسماهم رجب وطيب وأردوغان.

حب السوريين لأردوغان يعود بطبيعة الحال إلى الموقف التركي من قضيتهم المشروعة. في السودان الموضوع نفسه، عدة حالات تم توثيقها لتسمية أردوغان . وعن سبب ذلك قال بعض السودانيين إنه اندفع إلى التسمية لأنه سمع خطاباً لأردوغان يقول فيه عن شمعون بيريز رئيس دولة الكيان بأنه قاتل وكذاب، كما تجد الكثيرين سموا أردوغان في فلسطين وغيرها، وهذا ما لم يحصل مع زعيم عربي آخر في وقتنا الحالي ولو حتى بنسبة قليلة.

أكثرُ ما يمكنُ الإشارة إليه وراء التسمية باسم الرئيس التركي أن الشعوب العربية على العموم سئمت إلى حد كبير من أنظمتها الحالية القمعية الرجعية وباتت تفتقد للرمز والقدوة في العصر الحديث، ومن غير المستبعد أن يصير لأردوغان في قادم الأيام شعبية أعمق في الوسط العربي الذي غالباً ما يُسمي الشخص ليس محبةً فيه فحسب، بل رغبة منه في أن يحذو حذوه ويفعل الفعل الذي فعله، فتجد من يُسمي ابنه صلاح الدين غالباً ما يتطلع لفتح الأقصى، ومن يسمي خالد يتطلع أن يكون ابنه مقاتلاً مقداماً في سبيل الله، ومن يسمي بيبرس يهفو نظره إلى ذلك القائد العظيم في زمانه، وربما من يسمي أردوغان اليوم يأمل أن يكون له من اسمه نصيب وينهض ببلاده في يوم من الأيام كالنهضة التاريخية العظيمة التي قام بها الرئيس التركي الذي وفي مفارقة غريبة يجد مؤامرات ضده من أكبر البلدان العربية من مصر وصولاً إلى السعودية والإمارات ونظام الأسد وغيرها ويتهمونه بأنه يسعى لإعادة المجد العثماني ويزعمون أنه مستبد ويشكل خطراً على العرب، ويتغافل أولئك الحمقى أن في اتهاماتهم تلك تزكية لأردوغان نفسه، فأين كانت إسرائيل في عهد الدولة العثمانية،؟ باختصار كانت لا تزال فكرة تتقذافها بؤر الماسونية في أوربا، وطُبقتْ هذه الفكرة بعد تآمر شياطين العرب ضد الدولة العثمانية، واليوم يسعى من رسَّخَ أجدادُهُ وهيؤا لفكرة ولادة إسرائيل أن يطبقوها على أرض الواقع.. وذلك من خلال ما بات يعرف بصفقة القرن التي تسعى واشنطن لفرضها بموافقة مصرية سعودية أردنية مع غياب أي دور تركي في هذه الصفقة، بل على العكس فإن أردوغان كان من أكثر المناهضين لقرار منح القدس لدولة الصهاينة، في حين تغيَّبَ عن الاجتماع الذي عقدَهُ نصرةً للقدس في إسطنبول زعماءُ عرب كثر.

إذن بالنسبة للعرب لم يعد الأمر مقتصراً على محبة أردوغان فحسب، بل لذلك دلالات أبعد تصل في بعض الأحيان إلى تفضيل الكثيرين ممن يعيشون في الدول العربية أن يهربوا من السلاسل التي تكبل أفكارهم وحرياتهم ويأتي ليعيشوا في تركيا، لا يختلف اثنان على أن الملايين الآن من العرب تتطلع إلى أن يكون أردوغان رئيساً لها، لا أولئك الجلادين الذين يقولون لهم في كل وقت وحين "ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلى سبيل الرشاد".. باختصار شديد استطاع أردوغان أن يحشد جمهوراً كبيراً في الداخل التركي وخارجه بشكل يفوق الخيال خلال مدة قصيرة ، وهذا إن دل على شيء إنما يدلُّ على نهضةٍ قادمة لا محالة أوسع من الحالية يتطلع العرب أن تشمل عمقهم العربي الذي بات يتشوق لظهور أردوغانيين فيه على غرار أردوغان التركي.. فمتى يظهر أردوغان العربي هذا ويعيد بوصلة العرب في اتجاهها الصحيح كما أعادها أردوغان التركي ؟.. يقول التاريخ إنه لا شيء يدوم على الإطلاق مهما طال وإن التغيير قادم لا محالة.