الأربعاء 2016/11/02

اليهود والشيعة والأكراد ” مظلوميات ظالمة “.. على الأرض السورية

لا يحتاج الأمرُ كثيرَ عناء لترفع لك راية في سوريا، وتطالب التاريخَ بردِّ حقوق تدَّعيها ...لا يحتاج الموضوعُ وثائقَ وبياناتٍ تدعم ادعاءاتِك، ولا تبحثْ عن حفريات تؤكد وجودك في هذه الأرض منذ آلاف السنين، ولا تُرهق نفسك بسرد تفاصيل "مظلوميتك الكبرى" في هذه الرقعة الجغرافية، يكفيك أن ترفع سلاحاً ، وتجنِّد مرتزِقةً ، وتنصبَ لك منجنيقاً إعلامياً ينافح عن "حقوقك"، ويقلب الحق باطلاً والباطلَ حقاً.

على هذه الأرض التي تضرب جذورُها في كَبِد التاريخ، عاشت أمم شتى، وعليها تنافس الروم والفرس يوماً ما وتجاذبوا السيطرة .. وعليها كذلك وجَّهت الكنيسة الكاثوليلكية حملاتٍ تترى، وقبل أن يطأ نابليون بونابرت ترابها ، سُحِقَ جيشُه على أسوار جارتِها عكا.

ليس هذا وحسبُ ... فهذه الرقعة التي رافقت العصرَ آلاف السنين، أطلَّ عليها التاريخ الحديث والمعاصر بثلاث "مظلوميات" باطلة، طُبِخت من الوهم ، وعاشت على التزوير، واكتسب كلٌّ منها "مشروعيةً ما " في لحظة اضطراب عميق.

المظلومية الأولى ( اليهود ) :

فلسطين جزء تاريخي من "سوريا الكبرى" ، ولهذا نستطيع اعتبار اليهود أول من صنع لنفسه على أرض سوريا "مظلوميته" في العصر الحديث، ولأجل ما أصابهم على يد "أدولف هتلر" قبيل الحرب العالمية الثانية، رأت بريطانيا أن "تحِنَّ" عليهم بإقامة "دويلة" تلم شعَثَهم وتؤوي شَتاتهم على أرض فلسطين، وما فَتِئوا منذ قيام كيانهم عام 1948 ، لا يسعون فقط إلى تعزيز موقعهم في الشرق الأوسط ، بل حَرِصوا أشد الحرص على صناعة محيط ضعيف كي يضمنوا بقاءهم "اللاشرعي" أطول مدة ممكنة.

ولأن فاقد الشرعية صاحبُ قلق وجودي، استعان الكيان الصهيوني بأنظمةٍ "وظيفية" تحيط به وتضمن له السلامة رغم الشعارات الإعلامية البراقة التي ركبتها تلك الأنظمة بحجة " الحرب مع إسرائيل". وما مثال نظام الأسد ( الأب والابن ) ببعيد عن ذلك ، فمنذ عام 1970 ، يطحن هذا النظامُ الشعبَ السوري تحت عنوان "مقاومة إسرائيل".

قتل وتهجير وتغيير ديمغرافي في سوريا الكبرى، واستنزاف وتآمر في سوريا الصغرى ، هما خياران رأت "إسرائيل" عن طريقهما أنها تنتقم من "هتلر والنازيين" ، فإذا بها تحول محيطها جاهدةً إلى "كانتونات" ضعيفة متآكلة ، لتظهر نفسها النموذج الأقوى ، لكيان قام على "المظلومية".

المظلومية الثانية ( الشيعة) :

يعود أتباع المذهب الشيعي إلى القرن الأول للهجرة النبوية، وتحديداً إلى العاشر من محرم، حين قُتِل "الحسين بن علي" رضي الله عنه، في موقعة "كربلاء" الشهيرة.

تفاصيل تلك الموقعة وأحاديث التاريخ حولها ، ليس لسردها مجال ومتسع فيما نحن بصدده ، لكن المهم في الأمر أن الطائفة الشيعية صنعت ثأراً طويل الأجل أمام "أهل الشام"، الذين اتُّهِموا جملة وتفصيلاً بحادثة مقتل الحسين، وبغض النظر أيضاً عن أن حمَلة "ثأر الحسين" هم المتهمُ الأولُ بقتله ، إلا أن أتباع المذهب الشيعي "ولا سيما الإثني عشرية" عاشوا "وَهمَ الثأر" منذ ذلك الحين ، وساهم التشيع الإيراني في جعل الشام "سوريا" ، أرضاً مقدسةً تحوي "أضرحة ومقامات آهل البيت"، وتحوي كذلك "أحفاد قتَلة الحسين".

وتجلت مظاهر هذه "المظلومية" بشكل جلي فيما يجري اليوم بسوريا ، حيث ترسل إيران آلاف المرتزقة من أراضيها ومن أفغانستان وباكستان والعراق ولبنان ، تحت عنوان "حماية المقامات المقدَّسة" ، فيما يختبئ وراء هذه العناوين، أحلام سيطرة على تلك المنطقة ، التي كانت مع أرض العراق من أهم أجزاء الإمبراطورية الفارسية التي قصم الإسلام ظهرها وأنهى وجودها.

المظلومية الثالثة ( الأكراد ) :

أما الأكراد فإن لهم قصة مختلفة عن "المظلوميتين" السابقتين، من حيث عدةُ عواملَ.

وتتعلق "مظلومية" الشعب الكردي المزعومة، حول حقهم في قيام دولة عرقيةٍ بين أربع دول يقطنون فيها على شكل "أقليات" وهي تركيا وسوريا والعراق وإيران.

ومع موجة الربيع العربي، ووصوله إلى سوريا، ركبت الأحزاب الكردية في الشمال السوري تلك الموجة، وخرج أكراد سوريا في مظاهرات حاشدة تطالب برحيل بشار الأسد، الذي لم يلبث أن عزف على أوتارٍ كان العزف عليها محرَّماً في عهد أبيه، فوعدهم بالتجنيس وإعادة الحقوق، ثم قام بتسهيل دخول "حزب العمال الكردستاني" – حليف أبيه حافظ – إلى الشمال السوري عبر اسم جديد "حزب الاتحاد الديمقراطي".

وفي عام 2013 ترك نظام الأسد ساحة السيطرة في محافظة الحسكة، لحزب الاتحاد، بنوع من التنسيق السياسي والعسكري بين الطرفين ، وتحت ذريعة محاربة تنظيم الدولة، باتت الذراع العسكرية لحزب الاتحاد " مليشيات YPK "، سلطة جديدة مدعومة من الأسد ومن الخارج.

وفي هذه التطورات بات شعار "السلطة المطلقة مفسدة مطلقة" هو سيدَ المشهد، فخلف عباءة "المظلومية القديمة للأكراد في سوريا" مارس حزب PYD ، ما كان الأكراد يرزحون تحته في ظل حكم البعث والأسد .. عنصرية فاضحة ، وتهجير ممنهج، وتجريف متواصل للقرى العربية في الجزيرة السورية ، وإقصاء لأي نوع من أنواع الخلاف ، ولو كان بالرأي لا بالسلاح.