الأثنين 2019/02/25

النظام يعلن فقره

في الوقت الذي حاول فيه بشار الأسد في خطابه الأخير، أن يبدو منتصرا وقويا ومتماسكا، إلا أنه مرر بعض العبارات التي تشير إلى أن النظام مقبل على مرحلة اقتصادية صعبة، عزاها للحصار القادم من الغرب وظروف الحرب الكونية التي تتعرض لها سوريا.

غير أن حقيقة الوضع، وبحسب ما كشفت وسائل إعلام النظام، أن هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، ليست نتيجة لهذا الحصار، المستمر منذ نحو ثماني سنوات، وإنما بسبب ظروف الخلاف مع إيران، التي أوقفت إمدادات الطاقة للنظام منذ الشهر العاشر من العام الماضي، لأسباب لم تذكرها.

وبحسب ما أصبح متداولا، فإن إيران التي بدأت تشعر برغبة النظام بالتخلص منها، تماشيا مع الرغبة الإسرائيلية، أخذت تمارس الضغوط عليه، وبالذات الاقتصادية، من أجل أن يعيد حساباته ويفكر مليا قبل أن يقدم على هذه الخطوة، على أن يكون لها تصرف آخر معه في حال استمر النظام في رغبته هذه.

وقد تابعنا في الآونة الأخيرة، كيف أن العديد من الوفود الإيرانية زارت دمشق، وعقدت الاتفاقيات الاقتصادية مع النظام، لكنها اتفاقيات في مجملها لا تعطي لإيران التعويض الذي تطلبه، مقابل ما قدمته للنظام من خدمات، في تثبيت سلطته والانتصار على المعارضة.

في ظل هذا الوضع، على ما يبدو أن النظام أدرك بأن الثمن الذي تطلبه إيران، أكبر من طاقته وقدرته على التحمل، لهذا اختار السير في طريقين: الأول عبر التوجه إلى دول الخليج، وبالذات السعودية والإمارات والبحرين وسلطنة عمان، وطلب المساعدة منها، محاولا استثمار رغبتها بالتخلص من الوجود الإيراني في سوريا، وهو توجه اصطدم بالقرارات الأمريكية المفاجئة التي هددت دول الخليج، بالعقوبات في حال فكرت بالتعاون مع النظام، وفقا لقانون سيزر، لهذا تراجع التدافع الخليجي للتصالح مع النظام، الأمر الذي دفع هذا الأخير للسلوك في الطريق الثاني، وهو الاعتماد على الإمكانيا ت الذاتية والاستغناء عن المساعدة الاقتصادية الإيرانية وكذلك الخليجية ..

ولأن الإمكانيات الذاتية محدودة، وهي تصطدم باستمرار، بالعديد من العقبات، كان على النظام اتخاذ قرارات حاسمة، فيما يخص عمليات الحد من الإنفاق العام، تجلت بالعديد من الإجراءات الداخلية التي تدعو إلى خفض موازنة الوزارات وإيقاف كافة مشاريعها وخططها، ومن ثم توجيه أموالها، نحو توفير الحد الأدنى السلعي.

الحكومة من جهتها، وفي اجتماعها الوزاري الأخير، كشفت عن فاتورتها لتوفير هذا الحد الأدنى، والذي قدرته بأكثر من خمسة مليارات دولار سنويا، شاملة المحروقات والقمح وبعض السلع الغذائية الأساسية. وهو ما يعني بأن الموازنة العامة للدولة والمقدرة بنحو 7 مليارات دولار، هي بالكاد تكفي لتغطية المستوردات الأساسية، والتي بالأساس تعاني من عجز كبير، يقدره محللون بأكثر من 40 بالمئة.

بلغة أكثر بساطة، لقد اختار بشار الأسد طريق تجويع الشعب السوري وحرمانه، بحجة مواجهة الحصار والمؤامرة الكونية.

ولا نبالغ إذا قلنا إن الأشهر القادمة سوف تكون حافلة بالكثير من الأزمات التي سوف يتأثر بها بالدرجة الأولى السوريون في الداخل، حيث إن التوقعات تشير إلى انهيار طبيعي للعملة، مع ما يرافق ذلك من ارتفاع في الأسعار، وزيادة الفساد، وأعمال السطو والبلطجة المرافقة لمثل هذه الظروف عادة .. وهو ما بدأت تلوح معالمه، من خلال الأخبار اليومية التي يتم تداولها، في شتى الأرياف السورية، وفي حواري المدن الرئيسية، عن انتشار مافيات مسلحة، تقوم بإرهاب الناس والسطو على المحال التجارية، ومكاتب الصرافة، والقيام بأعمال الخطف وطلب الفدية، ويعتقد أن هذه المافيات تابعة لمخابرات النظام، التي بدأت تعمل لصالحها الشخصي ولصالح رجالاتها، وبغض طرف من النظام ذاته ..

نعتقد أن بشار الأسد في خطابه الأخير، قدم لمحة عن سوريا المستقبل في عهده، وهو الاستمرار في الذهاب إلى الجحيم، لكن المهم أن يبقى هو ونظامه على رأس السلطة.


اقتصاد مال وأعمال السوريين