الثلاثاء 2016/10/18

النخَّاس والعنز وعلبة المتة

نظام الأسد يبيع الجميع ...

هذا السلوك ليس جديدا على نظام البعث، فمن يمشط تاريخه، منذ وثب إلى السلطة في أمر دبر بليل أمريكي بريطاني منذ ستينيات القرن الماضي، يجد أن هذا النظام يعرض كل شيء للبيع .. كيف لا، وهو الذي يعرِّف نفسه في أدبياته الحزبية بأنه حركة انقلابية، وكان يعلم الطلاب هذه القناعة في مناهج التعليم، وتحديدا في كتاب مادة القومية، ليغرس في أذهان الطلاب سلوك القراصنة: الوجود للأقوى.

حركة انقلابية .. وكل شيء معروض للبيع .. قناعة وسلوك لدى هذا النظام، منذ باع الجولان لإسرائيل، وحصل على حكم سورية له ولابنه من بعده ، ولم يكن الأباعد هدفا للبيع في مزاد السياسة والسلطة، بل كان الأقربون بعثيَّا وطائفيَّا وإديولوجيَّا أيضا معروضين للبيع، ابتداء من العقيد العلوي محمد عمران،الذي كان عضوا في اللجنة العسكرية، فقد باعه حافظ الأسد وصلاح جديد، ثم باع حافظ الأسد صلاح جديد وعبد الكريم الجندي، وقبله باعوا سليم حاطوم ورفاقه البعثيين ، الذين وثبوا معهم إلى السلطة، بعد أن قوضوا الدولة الوطنية في ذلك الليل البريطاني الأمريكي؛ وفق مبدأ أيزنهاور، ملء فراغ الشرق الأوسط.

باع حافظ الأسد الجميع، ثم استوى صنما في سوريا، يطوف الجميع حوله كأنهم سكارى، عيونهم شاخصة إلى الأسد، الذي تمترس في قصر الشعب محاطا بترسانة أسلحة تحميه في جبل قاسيون، ونشر في البلاد جلاوزة أجهزته الأمنية، لتكون سوريا الدولة البوليسية الأولى في العالم، حيث يحاسبون الناس على الخواطر.

هلك حافظ الأسد، وورَّث ابنه البلاد، والأهم من ذلك الأفكار التي يحكم بها، وأهمها فكرة البيع والاستخدام..... كل شيء قابل للبيع ..... وكل شيء قابل للاستخدام، حتى يبقى في السلطة، والمريدون له يتوهمون أنه الحامي لهم؛ فباع ضباط جيشه .. ومخابراته .. أصف شوكت صهرَه .. ووزيرَ الدفاع .. وضباطَ خلية الأزمة، وفي هذا الخضم الرهيب، الذي تعيشه البلاد.... باع جامع جامع، ورستم غزالة، ومازال هو في قصر شعبه، يستقبل صحفية روسية، ويوصيها بأن تكون أنيقة .. كي تسوِّقَه رئيسا لبراليا لطيفاً.

وبين هذا البيعِ الكثيف للرفاق .. باع المستخدمين الصغار من رجال دين كالبوطي، ثم التفت إلى العامة، الذين حشدهم في هذه الحرب الرهيبة، وكانوا يعودون ملفوفين بعلم مليشياته، التي استباحت البلاد والعباد، ولكنه لم ينس فضلهم عليه، فكان رجاله يزورون أهالي القتلى، يحملون معهم ما قدرهم الله .. من واجب المواساة؛ فمرة ذهبوا مدججين بقطيع الماعز، لكل قتيل عنزة مكتنزة بالحليب، ثم قسمَّهم درجات ، فحصل بعض الأقوام على جدي، وبعضهم على سخلة، ثم كان التنويع في السلع من علبة متة، إلى ساعة حائط، ثم نقل عادات وتقاليد المواساة للروس، الذين زاروا جرحى النظام مصطحبين معهم بطانيات، وقد زعم قوم أنها خمسة كيلو غرام، وفي روايات قريبة من اليقين أنها ثمانية كيلو غرام، ثم يُعزف السلام الوطني، وتدق طبول الحرب مودعة هذا القتيل إلى مثواه الأخير .. وسط تشكيك أن هذه الصناديق فارغة أصلاً، حيث يمنع النظام فتحها ..

في الجانب الأخر .. رجالات النظام المقربون يعيشون في بلهنيةِ عيشٍ ، وبحبوحةٍ وسعة، يقيمون أفراحهم، وكأن البلاد (ريو دجانيرو)، حيث الرقص والألعاب النارية ، والفنادق الباذخة، وكأن البلاد صارت قسمين، الأول النخَّاس الذي يبيع كل شيء ، والثاني بضاعة يستخدمها، ثم يلقيها في محرقته، ويشيعها قطيع ماعز وعلبة متة ... وساعة توقفت عقاربها .. عند لحظة الحجيم .