الأثنين 2017/07/31

المجلس الوطني الكردي .. كشف الأقنعة أم تبدل المصالح ؟

منذ تأسيسه في 26 تشرين الأول 2011، بعد نحو سبعة أشهر من ولادة الثورة السورية، حاول "المجلس الوطني الكردي" أن يَظهر بصورة الكيان الكردي "الأكثر اعتدالاً" من سلفه "حزب الاتحاد الديمقراطي" الذي يطلَق عليه تندراً "حزب البعث الكردي"، ودخل "المجلس" وفق هذه الرؤية "المعتدلة" جميع مسارات التمثيل السياسي في أطياف المعارضة السورية، من المجلس الوطني السوري إلى الائتلاف إلى هيئة التنسيق.

ولم يَسلَم "المجلس الوطني الكردي" منذ اندلاع الثورة من ممارسات القمع والتنكيل التي واجه بها حزب الاتحاد "ب ي د" سكان مناطق الجزيرة السورية، ولا سيما بعد أن سلّمه نظام الأسد حكم تلك المناطق على سبيل "الوديعة" عام 2013، وإعلانه مناطق حكم ذاتي عام 2014،  إذ تعرّض أعضاء وقيادات الأحزاب الكردية الثمانية التي يتشكل منها "المجلس الوطني الكردي" إلى الاعتقال والتعذيب والقتل والنفي، وهذا ما دفع "المجلس" إلى إصدار عشرات البيانات التي يصف فيها ممارسات "ب ي د" بالإرهابية، ويستنكر فيها "فرض الإيديولوجيا بالسلاح والقمع"، ففي الشهر الخامس 2017 مثلاً اقتحم عناصر "ب ي د" مقر "المجلس الوطني الكردي" في مدينة القامشلي واعتقل كافة أعضاء الأمانة وأغلق المكتب بالشمع الأحمر، وهذا ما دفع "المجلس إلى إصدار بيان تنديد مما جاء فيه : "  إن المجلس الوطني الكردي يدين ويرفض هذه السياسة الممنهجة من قبل (pyd) بحق أبناء شعبنا الكوردي، وحركته السياسية في كردستان سوريا، ويدعوه إلى مراجعة الذات والكف عن هذه الممارسات والأعمال الإرهابية ..".

وفي موقف مفاجئ وغير مسبوق ..شن أعضاء في المجلس الوطني الكردي ينتمون إلى مؤسسة الائتلاف، هجوماً على رئيس الدائرة القانونية في الائتلاف الوطني "هيثم المالح" على خلفية قيام الأخير بالمطالبة بوصف ممارسات "ب ي د" بالإرهابية، ووجّه  عبدالحميد درويش "سكرتير الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا" رسالة إلى "المالح" استنكر فيها دعوة الأخير إلى إدراج وحدات حماية الشعب (YPG)، في لائحة الإرهاب، واصفاً هذه المليشيات الانفصالية بأنها "قوى باسلة تستحق منا جميعاً التكريم ووسام الشرف في مناهضتها لجبهة النصرة وداعش وغيرها من القوى الإرهابية المتطرفة والتكفيرية"!

وبعد عشرات البيانات التي استنكر فيها "المجلس الوطني الكردي" ممارسات "ب ي د" وذراعها العسكرية "ي ب ك" خرج "درويش" في رسالته  يناقض بيانات التنديد والاستنكار، ويدعي أن (YPG) "لم ترتكب عمليات التطهير العرقي ضد المكونات الأخرى وخاصة الأخوة العرب منهم، وإنما قامت بحمايتها في المناطق الكردية وخارجها"!، واللافت أن الائتلاف قام بسحب طلب رئيس لجنته القانونية بعد احتجاج المجلس الوطني الكردي!

طبعاً هذه الرسالة التي يدافع فيها المجلس الكردي عن تنظيم أقل ما يقال فيه إنه امتداد لحزب العمال المصنف إرهابياً في أوربا وأميركا وتركيا، ليست المأخذ الوحيد على المجلس، إنما تُعد بمثابة "الطامة الكبرى" في مسيرة هذا المكوِّن  الذي قدَّم نفسه كبديل "معتدل" عن حزب الاتحاد الديمقراطي، فيما يظهر يوماً بعد يوم من خلال النسخ الأخيرة من مفاوضات جنيف، أنه لا يخرج فعلياً عن الخط العام لحزب الاتحاد من حيث التوجهات القومية والعرقية الضيقة، والدعوات الانفصالية البغيضة.

السؤال الآن.. هل بدأت مرحلة كشف الأقنعة بالنسبة للمجلس الوطني الكردي؟ وما الثمن الذي قبضه المجلس لتتغير رؤيته لغريمه الذي أوسعه خلال سنوات قمعاً وتحجيماً وتنكيلاً ؟ ثم .. لماذا سحب الائتلاف دعوة رئيس لجنته القانونية؟

في الإجابة عن السؤال الأول نقول: إن الأجندة التي سار عليها المجلس الوطني الكردي يمكن أن توصف ببساطة بأنها نموذج ناجح "للتقية السياسية"، ففي الوقت الذي كان فيه المجلس يعلن مواقف وطنية، كان في الواقع يسلك منهجاً أقل ما يقال عنه إنه "انفصالي"، وهذا يظهر حقيقة في الاتفاقية الموقّعة بين المجلس الوطني الكردي والائتلاف المعارض.

ولعل الدور الذي قام به ديمستورا في الجولات الأخيرة من أستانا من خلال تشتيت منصات المعارضة السورية وإدخالها في معمعة التوحد وورقات العمل، وإصراره على تمثيل أكبر للأكراد في مسار المفاوضات، دفع "المجلس الوطني الكردي" إلى "تغيير الحسابات" عبر سياسة تقارب مع " ب ي د" قد يجلسان فيها سوية في المستقبل على مقعد التفاهمات والتوازنات والمكاسب!

لعل هذا يكون ، ولعل غيره ..هذا في الواقع ما ستكشفه الأيام المقبلة، في مرحلة ينبغي للتاريخ السوري أن يسميها "مرحلة كشف الأقنعة".

أما الإجابة عن السؤال الثاني فلا تحتاج إلى مزيد من التدبر، فمؤسسة الائتلاف المهترئة خرجت منذ حين من حسابات الشعب السوري، وليس مستغرباً أن يرفع الائتلاف الدعوة إلى اعتبار ممارسات "ب ي د" إرهابية ، رغم آلاف الصور والتسجيلات التي يظهر فيها عناصر تلك المليشيات وهم يعدمون ويعذبون ويهجرون ويبطشون تحت ذريعة الإرهاب ..ولعل أبسط كلمة يمكن أن توجه لمؤسسة الائتلاف قول المتنبي : ما لجرح بميت إيلامُ