الخميس 2017/06/22

المجتمع الدولي للسوريين : ” بدكن حرية ؟!”

أثارت التصريحات الجديدة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سخطاً واسعاً في أوساط المعارضة السورية، وإن لم نجد رداً مباشِراً على تلك التصريحات التي اعتبر فيها ماكرون أن رحيل بشار الأسد من منصبه لم يعُد أولوية لباريس التي تتطلع إلى التركيز في "الحرب على الإرهاب"، وأن بلاده لم تجد "بديلاً شرعياً" في سوريا !

الرئيس الوسطي الجديد أكمل في حقيقة الأمر ثلاثة مواقف لثلاثة رؤساء فرنسيين تعاقبوا على الحكم خلال الثورة السورية، من الجمهوري نيكولا ساركوزي الذي يُعتبر من صقور التدخل العسكري في سوريا على غرار ما حدث في ليبيا، وغادر ساركوزي قصر الإليزيه في 2012 ليجلس محله الاشتراكي فرانسوا أولاند الذي حاول الحفاظ على موقف بلاده المناهض للأسد من جهة، وعلى محاكاة الموقف الأميركي من سوريا أحياناً أخرى.

الموقف الجديد لفرنسا والذي جاء على لسان رئيسها الوسطي ماكرون، لا يفترض في الحقيقة أن يثير كل هذا السخط في أوساط السوريين ..وما الجديد في هذا؟ وما الذي فعلته فرنسا ساركوزي وأولاند حتى تفعله فرنسا ماركون؟ يتساءل كثيرون، كما إن موقف ماكرون لم يأتِ بديعاً في مجاله فقد سبقته تصريحات متضاربة للبيت الأبيض قبل نحو ثلاثة شهور، أوضحت فيها واشنطن أن رحيل الأسد لم يعد أولوية وأن الأهمية تكمن في "محاربة الإرهاب".

وفي هذا المضمار ترى شريحة واسعة من السوريين تهويناً من شأن تصريحات ماكرون أن العالم قضَّه بقضيضه بعربه وأعاجمه رسم لمسار الثورة السورية خطاً محبوكاً بعناية، أشرف بشار الأسد بنفسه على تنفيذه عبر إطلاق يد "الجماعات المتطرفة" في الجغرافيا السورية لتنتقل الثورة الشعبية التي قامت ضد الظلم والتهميش والقهر، إلى مفهوم لم يكن يخطر في بال السوريين حين خرجوا يواجهون رصاص قوات الأمن وكلهم أمل بمستقبل جديد ينتظر بلادهم مع موجة الربيع العربي.

كنا نسمع في بدايات الثورة روايات مفادها أن العالم لا يريد إزاحة بشار الأسد ..معظمنا لم يصدق هذا، كيف وقد أسقط هذا العالم -إلا دولتين أو ثلاث- شرعية بشار ؟ كيف وهم يعبِّرون عن دعمهم للثورة في كل المحافل والاجتماعات؟ هل يمكن التصديق بأن عالم الديمقراطية يحارب شعباً منتفضاً ضد جلاده، ويدعم بقاء الجلاد؟ هل يمكن أن يُكشف حجاب الوهم فنرى حكاماً عرباً وأجانب وهم يتصرفون كالممثلين تماماً في المؤتمرات ولقاءات الإعلام ؟

الجواب المؤسف ..نعم .. قال عجائزنا منذ بداية الثورة إن هذا العالم لا يريد إسقاط بشار الأسد لأنه خيرُ من ينفذ الأجندات المطلوبة منه على أكملِ وجه، لا يريد العالم إسقاط الأسد لأن موجة الربيع العربي إن نجحت في سوريا فسوف تمتد إلى دول كثيرة في المنطقة يحكمها وكلاء الأقوياء، والأقوياء لا يحبذون استبدال خدمهم إلا إذا هرموا كثيراً أو أساؤوا تنفيذ ما يُطلب منهم ..نعم بالتأكيد ..هل يمكن للولايات المتحدة وأوربا أن تزيح حكماً قام بتأمين حدود "إسرائيل" أربعين عاماً، ليكون البديل دولة قوية ذات طموحات عالية قد تهدد تل أبيب؟ ..ألم تقل تل أبيب مراراً إن "أسداً ضعيفاً" أفضل بالنسبة لها من السيناريوهات المجهولة؟؟ ثم كيف يمكن لأنظمة الوكلاء العربية المتعفّنة أساساً أن تساهم في إحلال الحرية في سوريا وهي تعلم جيداً أنها ستكون المحطة الجديدة لموجة الربيع ؟؟ ..هذا هراء .. هذا لن يحدث إلا في أحلام العابثين والعاطفيين والجاهلين بالحقائق التاريخية والجيوسياسية.

أكتب هذه السطور وأنا أستحضر في الحقيقة مشاهد حدثت بدايات الثورة، تساءلتُ عندها كثيراً: كيف يمكن لنظام "مغضوب عليه دولياً" أن يطلق النار على العُزَّل دون خشيته من الإدانات ؟ كيف يخرج أوباما ليقول إن أيام الأسد "معدودة" بينما يخرج الأسد في اليوم التالي متحدياً أوباما ؟ كيف يستخدم الأسد السلاح الكيماوي وهو مهدَّد من نحو سبعين دولة تطالبه بالرحيل فوراً؟؟ كيف وكيف وكيف ..أجوبة كانت السنوات العجاف كفيلة بالإجابة عنها تباعاً وبمنتهى الوضوح.

نعم يا سادة .. الغرب خطط جيداً وكتب السيناريو والأسد أخرج المشهد ونحن من نفذناه، وكان أجر التنفيذ دامياً مراً ..نصف مليون قتيل وستة ملايين لاجئ، ومثلهم نازحون داخل هذا الوجع الممتد، إضافة إلى نحو 200 ألف معتقل .. نحن من دفعنا ثمن المؤامرة التي تحدث عنها بشار وكان صادقاً فيها، رغم أنه لم يحدد في الحقيقة هل هي مؤامرة ضد نظامه أم ضد 22 مليون سوري ؟؟

إن هذا يلخص في الواقع المشهد المشهور الذي ظهر في أشهر الثورة الأولى، والذي يظهر فيه جنود تابعون لقوات الأسد وهم يعذبون شخصاً مقيداً على الأرض، ويدعسون فوقه مردِّدين الجملة الشهيرة "بدكن حرية؟" ، الآن اكتشفنا أن هذا العسكري البائس لم يكن يردد صوته، بل كان يردد صوت العالم المتآمر الذي يصرخ يومياً في وجه السوريين "لسّا بدكن حرية ؟"