الأربعاء 2018/07/04

اللمسات السحرية الروسية لضبط الحالة العسكرية في سوريا

تزدحم سوريا بالمليشيات المتعددة الجنسيات التي تقاتل إلى جانب نظام الأسد تحت مسمى "القوات الرديفة"، وتتلقى أوامرها من قائد الحرس الثوري الإيراني "قاسم سليماني"، وساهمت تلك المليشيات في استعادة النظام أجزاء واسعة من البلاد، لكن مراقبين يقولون إن ذلك جاء على حساب "جيش النظام" ومكانته بعد أن تحول إلى مجموعات لصوصية مهمتها "التعفيش".

وفضّل "خالد الساكني" (وهو أحد الضباط المنشقين عن قوات النظام) العمل في أحد معامل مدينة إسطنبول التركية على إكمال خدمته في "جيش أبو شحاطة"، حسب قوله، وأضاف لـ "الجسر" أن عناصر الجيش وضباطه لم يعد لهم قيمة على الإطلاق، وتابع بالقول "أقل رتبة في عناصر الدفاع الوطني أو القوات الروسية أو الإيرانية يدعس على رأس أكبر ضابط بالجيش".

ولفت الساكني إلى أن العاملين في الجيش كان لهم مكانتهم واحترامهم، مضيفاً أنه بعد "انشقاق عشرات الآلاف عن الجيش ودخول حزب الله ومليشيات إيرانية في البداية، تغير الوضع جذرياً، وصاروا يتعاملون معنا باستخفاف"، وأكمل حديثه قائلاً: "كان هناك ضباط يسرقون ويرتشون ليعيشوا".

تحسين الوضع المعيشي للعاملين في الجيش:

كان بشار الأسد قد أصدر يوم الإثنين ٥ حزيران الماضي، مرسومين تشريعيين يقضيان بزيادة رواتب عناصر الجيش المتقاعدين والذين على رأس عملهم. وبات هذان المرسومان حديث الشارع السوري، بسبب استثناء باقي العاملين في مؤسسات الدولة، وخاصة أن ضباط الجيش يحصلون على أموال إضافية بطرق غير مشروعة عبر عمليات "التعفيش" وما يُدعى "الآتاوات" على الحواجز.

وكالة "سانا" الناطقة باسم النظام نشرت تفاصيل المرسومين الذين حملا الرقمين ٨ و٩ للعام ٢٠١٨، وبيّنت أن نفقات تطبيق المرسومين تُصرف من "وفورات سائر أقسام وفروع الموازنة العامة للدولة، ومن وفورات سائر أبواب وبنود أو حسابات موازنة الجهة العامة المعنية للسنة المالية ٢٠١٨".

وأوضحت أن المرسوم الأول يقضي بزيادة رواتب العسكريين بنسبة ٣٠ ٪ من مجموع الراتب بعد إضافة التعويض المعاشي إلى الراتب المقطوع النافذ حالياً للعسكريين وعده جزءاً منه، في حين أن المرسوم الثاني، يقضي بزيادة قدرها ٢٠ ٪ من المعاش التقاعدي إلى المعاشات التقاعدية للعسكريين، ويضاف التعويض المعيشي الممنوح لهم إلى المعاش التقاعدي بعد احتساب الزيادة المنصوص عليها في هذا المرسوم ويعد جزءاً منه.

وقال مصدر خاص من دمشق إن رواتب العسكريين العاديين قبل الزيادة تتراوح بين ٤٠ ألف و٥٠ ألف ليرة سورية (ما يعادل ٩٠ دولار)، في حين أن رواتب الضباط تتراوح ما بين ٨٠ و ١٢٠ ألف ليرة (أي ما يعادل ٢٠٠ دولار إلى ٢٥٠ دولاراً)، وهو ما يوضح أن نسبة الزيادة للعسكري العادي تقدر بنحو ١٥ ألف ليرة (٣٠ دولار)، بينما الضابط فتبلغ قيمة الزيادة على راتبه نحو ٣٠ ألفاً أو ٤٠ ألفاً (٧٠ إلى ٩٠ دولاراً).

وكانت آخر زيادة للعسكريين في أيلول ٢٠١٥، عندما تمت إضافة مبلغ ٢٥٠٠ ليرة سورية (أي ما يعادل خمسة دولارات أمريكية) للرواتب وأجور موظفي الحكومة بمن فيهم العاملون في المؤسسة العسكرية.

توجيه روسي:

العميد المنشق عن قوات النظام "أسعد الزعبي" اعتبر أن زيادة معاشات عناصر وضباط الجيش لها خصوصية كونه "اليد التي يبطش بها والخطر الذي يُخشى منه في الوقت نفسه"، وأشار في حديث خاص، إلى أن القرار "حافز" أيضاً للمدنيين للتطوع والالتحاق بالجيش، الذي فقد أكثر من نصف مقاتليه خلال الأعوام السبعة الماضية، إضافة إلى الرغبة الروسية في تشكيل فرق ومجموعات جديدة.

فيما لفت أحد ضباط المعارضة المسلحة المنشق عن قوات النظام "محمد الفضلي" إلى أن السبب في زيادة الرواتب لعناصر وضباط قوات النظام هو "التوجيهات الروسية" في تمكين "مؤسسة الجيش" وتقويتها، بعد إعادة النظام سيطرته على أجزاء واسعة من البلاد، وأضاف لـ "الجسر" أن الجيش الروسي يعمل بشكل كبير على منع عناصر قوات النظام من الاستمرار في عمليات "التعفيش" للمنازل والمحلات.

كما وافق "الزعبي" الرأي بأن هناك مساعي روسية لإكمال عدد عناصر الفيلقين الخامس والسادس، وأكد أن هذه الخطوة تصبّ في الحد من انتشار المليشيات وسطوتها على مناطق واسعة، إضافة إلى منع أي تصادم في المستقبل بين عناصر الجيش وتلك المليشيات، منوّهاً إلى أن النظام أمر بحل عدد من المليشيات في حمص وريفها قبل مدة قصيرة.

بناء قوات علوية:

ورجح مصدر خاص من المعارضة السورية أن تقوم موسكو بإنشاء فيلق خاص يضم مقاتلي الطائفة العلوية، وتعيين "سهيل الحسن" قائداً لهذا الفيلق، وأشار المصدر إلى أن الهدف من ذلك هو جمع المقاتلين العلويين وتوزيعهم لحماية المناطق العلوية فقط، وإبعادهم عن المناطق الأخرى، خوفاً من أن يقوم السكان المحليون باغتيالهم نتيجة الاحتقان الشديد ضدهم.

احتجاج عناصر الشرطة:

أثار صدور المرسومين سخطاً واسعاً بين عناصر الشرطة التابعة للنظام، وذلك كونها لا تشمل جهاز الشرطة والأمن الداخلي، واعتبر أحد العناصر أن ذلك "ازدواجية" بتحديد هوية عناصر الشرطة بين الصفة العسكرية والمدنية، ونقلت إحدى صفحات التواصل الاجتماعي عن عنصر من الشرطة قوله: "إننا تشاركنا في البدلة والبوط خلال السنوات السابقة، ويجب أن تتم المعاملة على نفس السوية مع الجيش".

الضابط المنشق "محمد الفضلي" أوضح لـ "الجسر" أن هناك توتراً دائماً بين جهازي الجيش والشرطة في سوريا، وأرجع السبب إلى أن ضباط "جيش النظام" يحصلون على مرتبات أعلى من ضباط الشرطة الذين هم في نفس الرتبة، على الرغم من كون ضابط الشرطة حاصلاً على إجازة جامعية بالحقوق، بينما ضباط الجيش هم إما من حمَلة الشهادة الثانوية أو الأكاديمية العسكرية.

توسيع مؤسسات الجيش:

وقال مصدر منشق يعيش في فرنسا برفقة عائلته إن هذه الزيادة هي بمثابة "رشوة لعناصر وضباط الجيش لضمان ولائهم"، ولفت إلى أن العاملين في "جيش النظام" يحصلون على مرتبات أعلى من كافة العاملين والموظفين في مؤسسات الدولة السورية.

وأضاف أن مؤسسة الجيش في سوريا تملك مؤسسات اعتبارية مستقلة تتبع للجيش كـ "الإسكان العسكريّ والإنشاءات العسكرية"، وقال: "إن تلك المؤسسات تملكت عقوداً عديدة للبناء والإسكان في مدن وبلدات مختلفة"، مرجحاً أن يتم افتتاح مؤسسات جديدة تتبع للجيش "لإتاحة السيطرة بشكل أكبر على مؤسسات الحكومة والتحضير لعمليات إعادة الإعمار"، والتي اعتبر أنها سترسم ملامح سوريا في المستقبل.