الأحد 2021/08/22

اللاقواعد تُعقِّد الحوار السوري

في نهاية التسعينيات كان حزب الرفاه التركي بقيادة نجم الدين أربكان يشارك في الانتخابات البرلمانية التركية، فصرح بيل كلينتون رئيس أمريكا أنه لن يسمح بفوز حزب الرفاه في الانتخابات التركية، ليردّ عليه أربكان: "إن بيل ليس مواطناً تركياً، وبالتالي لا يحق له المشاركة في الانتخابات التركية".

تحضرني هذه الحادثة كلما احتد الخصام بين السوريين حول قضية تقع خارج نطاق الجغرافية السورية، وكأنهم من مواطني تلك الدولة التي وقع على أراضيها الحدث، وآخر تلك القضايا الانقلاب الذي حصل في تونس، وتماسك طالبان وسيطرتها على أفغانستان.

يشعر المراقب للحوار أن المتحاورين السوريين (أفغان) لكنهم نسوا الزي الأفغاني في ضجيج الحوار، بين مؤيد للحركة ورافض لمن لا يؤيدها من السوريين، وبين رافض لها ورافض لمن ينظر إليها بإيجابية من السوريين.

لم يفكر إلا قلة ماذا نتعلم من تجربة طالبان؟ والتعلم هنا ليس بالضرورة في المعنى الإيجابي، حتى لا يعترض سوري (أفغاني) على ما نقول، التعلم أين أصابت؟ وأين أخطأت؟ كيف استطاعت أن تحافظ على تنظيم متماسك أكثر من عشرين عاماً دون انقسامات؟ كيف استطاعت إقناع الآخر الرافض لها؟ هل تستطيع القوى السياسية السورية المعارضة أن تبني وحدتنا، وتقنع الآخر بنا، أم لا يزال الحق على الآخر؟

وقبلها في انقلاب تونس، انقسم السوريون فريقيْنِ، فريقاً رفض الانقلاب وكأنه وقع عليه، وهو خائف من نتائجه أكثر من راشد النهضة، وآخر أيّد الانقلاب وكأنه هو مَن قام به وسوف يشارك قيس سعيد بالسلطة.

حقيقة من الغرابة أن تجد من المعارضين السوريين ذوي الاتجاه الديمقراطي أن يؤيدوا الانقلاب ويضعوا الحق على من تم الانقلاب عليه بممارسات غير دستورية، إذ كيف لفرد مؤمن بالديمقراطية التي أحد أركانها التداول السلمي للسلطة أن يؤيد علناً انقلاباً فقط لأن المتضرر (الإسلام السياسي)، مع أنه من الذين عانوا من تلك الانقلابات لا سيما انقلاب حافظ الأسد الذي يتشابه مع انقلاب قيس سعيد.

هذه الازدواجية في المواقف "الشيزوفرانيا" ناتجة عن تعصب أيديولوجي حادّ بين الطرفين بغض النظر عن الخلاف النظري بأن الفكر الليبرالي هو فكر غير مؤدلج، لكنه في الواقع السوري أيديولوجية واضحة المعالم وذات اتجاه واحد ولا تقبل من يخرج على فكرها حتى لو كان من أبنائها العالِمين بخباياها وأسرارها سيناله ما ينال الآخرين من هجوم وتقريع، ولن تنفع معه توبة أو استغفار عمَّا كتب، وما ينطبق على الطرف الأول ينطبق على الطرف الثاني بتشابه فظيع ورهيب.

لن ندخل في تفاصيل الخلافات ولا في عثرات كل طرف وتناقضاته، ما نريده فقط حوار بنَّاء، يُبنى على قواعد سليمة حتى يصل إلى نتائج مفيدة، بمعنى أن لا يبدل "المحاور" القواعد الناظمة لتفكيره وَفْق الحاجة، فهي ليست ثياباً يرتديها حسب المناسبة، ربما يكون هناك من يعترض على ما نقول، وأن قولنا جانب الصواب وبه من التجني والتحامل ما به، وهنا سنذكر قضية أثارت جدلاً بين السوريين وهي قضية تدخل السلطة في لباس المرأة وماذا ترتدي، حدث هذا في القرن الواحد والعشرين في بلدين مختلفين ومتباعدين هما فرنسا وأفغانستان، وما يعنينا هنا موقف السوريين وخلافهم وانقسامهم.

حظر النقاب في فرنسا

تم اعتماد الحظر الفرنسي على تغطية الوجه، بموجب القانون رقم 2010-1192 الصادر بتاريخ 11 أكتوبر 2010، في 11 أكتوبر 2010 ودخل حيّز التنفيذ في 11 إبريل 2011. وكانت عقوبة خرق القانون غرامة تصل إلى 150 يورو، أو قد يُطلب من المخالِفة التسجيل في دورة المواطنة إذا شُوهدت وهي ترتدي الحجاب في الشارع، في الحافلات والمباني الحكومية والمستشفيات ومراكز الرعاية.

ونتيجة لهذا القانون تم حظر السيدة "S.A.S" من ارتداء النقاب في الأماكن العامة، فتقدمت بدعوى أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وعرفت الدعوى باسم " "S.A.S. v. France قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بالإجماع بأن القانون الفرنسي الذي يحظر ارتداء الملابس التي تغطي الوجه أثناء الوجود في الأماكن العامة لا يمثل انتهاكًا للحقوق المحمية المنصوص عليها في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، ولم تجد المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أي انتهاك للمواد 8 و9 و10 و14 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.

ووجدت المحكمة أن القانون كان له هدف مشروع وهو ضمان احترام الحد الأدنى من متطلبات الحياة في المجتمع، أي المبدأ الفرنسي "العيش معًا" واعترفت بأن الدول لديها هامش تقدير كبير عند تنظيم مثل هذه الأمور.

رغم اعتراض البعض على أن "العيش المشترك" ليس من المبادئ المحمية في الاتفاقية الأوروبية، لكن تبرير المحكمة بمبدأ هامش التقدير للدول أدى إلى أننا أمام مجتمعات ديمقراطية وليس مجتمع ديمقراطي واحد على حدّ تعبير المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.

لكن الحوار كان بين السوريين على طريقة أخرى، البعض من مؤيدي القانون دعا إلى ترحيل من لا يستطيع التكيف مع تلك القوانين، فهي بلادهم وهم أحرار وقِيمهم تقتضي ذلك.

أما مَن عارض ذلك القانون فطالب باحترام الحرية الشخصية للمرأة وترك الخيار لها في ارتداء ما تشاء، فنحن في عصر لا يحتمل التدخل في قضايا شخصية أو إجبار أحد على ارتداء ما نريد، وإن حيادية الدول تمنعها من التدخل في الحياة الخاصة للمواطنين.

فرض الحجاب في أفغانستان

بعد سيطرة حركة طالبان على كابول، أعلن الناطق الرسمي للحركة أنه سوف يسمح للمرأة بالعمل والخروج وحدها بشرط ارتدائها للحجاب، وبمفهوم المخالفة سوف تُمنع المرأة غير المحجبة من العمل ومن الخروج وحدها.

طبعاً ليس من حق المتضرِّر اللجوء إلى المحكمة الأوروبية؛ لأن أفغانستان ليست دولة عضواً في الاتحاد الأوروبي، لكن لو افترضنا تم اللجوء للمحكمة أفترض أن موقف المحكمة المبني على "مبدأ هامش التقدير للدول" سوف يقر قانون أفغانستان، إلا إذا تعامل بمعايير مزدوجة.

لكن ما يهمنا هنا، هو موقف السوريين وحوارهم حول القضية، بطبيعة الحال انقسم السوريون إلى فريقين، فريق مع القرار وآخر ضده، لكن غير الطبيعي هو تبدُّل مواقف الفريقين، إذ إن جُلّ الفريق الذي كان مع فرنسا بمنع النقاب، أصبح ضد تدخُّل السلطة في فرض لباس على المرأة؛ لأن التدخل يتعارض مع الحقوق الشخصية وحقوق المرأة وليس من المعقول في القرن الواحد والعشرين وجود سلطة تتحكم في المرأة فيما ترتدي أو لا ترتدي، وتناسى موقفه من حظر النقاب في فرنسا، فتلك قضية أخرى ولها موازين وضوابط أخرى.

أما الفريق الذي عارض القانون الفرنسي القاضي بمنع النقاب، فأيَّد قرار أفغانستان في فرض الحجاب، ودافع عن ذلك بأن قِيم الجمهورية الأفغانية" تتلاءم مع هذا الفرض، ويتناسب مع المرأة الأفغانية ومع قِيَمنا الدينية، ونسي موقفه المُعارِض للقانون الفرنسي وحججه هناك.

أؤكد أن ما قصدته بالمواقف السابقة هو (البعض) وإن اتسعت دائرته إلى حدّ مخيف لكنه يبقى البعض، ما دام هناك عقلاء كان موقفهم ثابتاً في الحالتين سواء لجهة الرفض أو التأييد.

هذا الحوار غير المبني على ثوابت علمية وقواعد قانونية وأخلاقية وقِيَم ثابتة سيؤدي إلى مزيد من الاستقطاب والعداء وتحول الخلاف إلى اختلاف كبير بين السوريين، وإن بقي الحال هكذا فسيؤدي حتماً إلى احتراب داخلي يُدمِّر ولا يبني.

المصدر: نداء بوست