الأحد 2019/04/14

العملية التركية شرق الفرات.. هل صارت من الماضي؟

تكثر التساؤلات عن سبب ترديد الرئيس التركي والمسؤولين الأتراك أكثر من مرة نيتهم إطلاق العملية الثالثة للجيش التركي في سوريا، وخاصة في شرق الفرات الذي يخضع لسيطرة مليشيا "ب ي د" الانفصالية المدعومة من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

لعل أكثرَ ما يثير التساؤل عن التصريحات التركية هو ما هي أوراق القوة التي تملكها تركيا كي تشن هذه العملية في تلك المنطقة المعقدة المليئة بقوات غربية أغلبها أمريكية؛ لا تزال تجوب في مناطق "ب ي د" ؟، وكأنها تعطي رسالة لتركيا بأن واشنطن لن تتخلى عن دعم "قسد"، وذلك بعد الضجة الكبيرة التي أُحدثتْ عقب قرار ترامب الانسحاب الكامل من سوريا، وتراجع عنه في وقت لاحق بعد ضغوط داخلية وخارجية، وكانت العملية التركية قاب قوسين في ذلك الحين.

في حديث خاص مع قناة الجسر يقول المحلل السياسي التركي يوسف كاتب أوغلو، في رده على سؤال بشأن احتمال أن تكون تركيا قد ألغت العملية وصارت ترددها فقط على وسائل الإعلام، يقول إن العملية التركية ستكون ضرورة قصوى في حال فشل الدبلوماسية الدولية، ولكن لن تكون تركيا لوحدها.

وأشار "كاتب أوغلو" إلى أن لدى أنقرة الكثير من الأوراق التي تمكنها من شن العملية، أهمها "تقاربها مع روسيا و صفقات الأسلحة".

لذلك لا يمكن القول إن عملية شرق الفرات صارت من الماضي، بل إن تقلبات المصالح الدولية قد تتغير في أي لحظة، خاصة مع السياسة التركية التي يعلم الجميع صلابة موقفها، فمَنْ كان يتوقع أن تقبل روسيا بأن يشن الجيش التركي بمساندة الجيش الحر عملية في عفرين، وهي التي كانت تحت الحماية الروسية، ولا يجب أن يُنسى أيضاً أن تركيا أطلقت كذلك عملية درع الفرات بعد توافقات من قبل روسيا وامريكا، وجعلت هذه العملية لتركيا موطئ قدم مهماً على الأرض، مكنها من فتح نوافذ عدة لمزيد من التقدم في المناطق التي كانت تخضع لتنظيم الدولة حتى إنهائه بشكل كلي، قبل أن يُقطع الطريق على العملية بعد التقاء قوات النظام بالمليشيات الكردية، في تواطؤ يثبت التنسيق بين الطرفين.

في حسابات الربح والخسارة، لا تبدو تركيا خاسرة في ملف شرق الفرات وأيضاً لا تعد رابحة، بل هي تتحين الفرص المناسبة لإطلاق العملية في أي لحظة، خاصة بعد أن أعلن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار قبل أسابيع أنه تم إنشاء غرفة عمليات مشتركة على الحدود السورية التركية لإدارة عملية شرق الفرات، يضاف إلى ذلك تدريبات الإنزال الجوي التي قام بها عناصر من "الجيش الوطني" التابع للجيش السوري الحر، كل ذلك يشير إلى أن العملية قادمة لا محالة، وأن الأهالي الذين هُجِروا من ديارهم في شرق الفرات سيعودون إليها قريباً، غير أن أكثر ما يشكل هواجس للسوريين هو أن تُعقد صفقة من تحت الطاولة ترفع بموجبها تركيا يدها عن ملف إدلب، في مقابل إطلاق يدها شرق الفرات ومنبج غربه، لاسيما أن روسيا لا يمكن لها أن تتنازل بدون مقابل، وأن ما يهم تركيا في سُلم الأولويات هو حماية أمنها القومي، والتخلص إلى الأبد من مشروع الكيان الانفصالي على حدودها الجنوبية.

يمكن القول إن جميع الأطراف المتدخلة في سوريا تمتلك أوراق قوة تفاوض من خلالها، غير أن الولايات المتحدة وروسيا تمتلكان حصة "الأسد" من الجغرافية السورية بما فيها من ثروات، وأيضاً باستطاعتهما فرض قرارات "غير متوقعة" على الأطراف المدعومة من قبلهما، وتأتي تركيا في الدرجة الثانية بأوراق القوة محاولِةً التوفيق في العلاقة بين موسكو وواشنطن، ولا يبدو أن تلك الدولتين تريدان خسارة تركيا، فواشنطن وإنْ ماطلت في تطبيق اتفاق منبج مع أنقرة، إلا أنها لم تعلن نهايته أو تعلن أنها لن تلتزم على الإطلاق، وموسكو تجد في أنقرة الكثير من المصالح، خاصة في تصدير الغاز الروسي إلى العالم، أو في صفقات الإس 400، لهذا لا تريد تخريب العلاقة معها في ملف إدلب، ومن المتوقع أن يكون التنسيق عالياً بين الطرفين عند اندلاع عملية شرق الفرات.