الثلاثاء 2017/02/21

العرب السنة في الموصل .. بين مطرقة الجميع وسندان الجميع !

مع انطلاق المرحلة الثالثة من معركة الموصل تتواصل تحذيرات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية والحقوقية، حول مصير مئات آلاف المدنيين الذين باتوا محاصَرين في الأحياء والضواحي الغربية من المدينة بين نيران القوات المهاجِمة وتمسُّك تنظيم الدولة بهم، كعامل أمان نسبي في حال قرر التحالف الدولي استخدام أسلحة "غير تقليدية "، بغية حسم المعركة التي اعترف قادته مسبقاً بصعوبتها.

سكان المدينة التي سيطر عليها تنظيم الدولة في 10 حزيران عام ٢٠١٤، خليط عرقي وإثني واسع من العرب والتركمان والأكراد والآشوريين والكلدان والمسيحيين والشبَك، ويشكل العرب السنة من هذا الخليط غالبية 80 % .

لكنَّ وقوعها في قبضة التنظيم أجبر "الأقليات" فيها إلى الهرب وبقي في الموصل نسبة كبيرة من العرب السنة ، ممن أجبرتهم ظروفهم على البقاء في منازلهم، تحت وطأة ظروف إنسانية مزرية، وقصف جوي لم يستثنِ المرافق المدنية من قائمة الأهداف.

التحالف الدولي يفشل في "تغطية جوية نظيفة":

في 17-10- ٢٠١٦ دقت طبول معركة الموصل، وكان التحدي الأكبرُ أمام التحالف الدولي "الداعم الجوي للعمليات" هو القيام بضربات دقيقة " نظيفة" تستهدف مراكز القيادة لتنظيم الدولة وتنسف مقراتِه ومستودعات الأسلحة والذخيرة.

وسرعان ما باء هذا الهدف بفشل ذريع أمام مجموعة من العوامل التي أدت إلى سقوط مئات المدنيين بين قتيل وجريح تحت نيران ضربات جوية جعلت كل المدينة هدفا للغارات بفعل أمرين رئيسيين:

الأول هو انتشار مراكز التنظيم وعناصره بين المدنيين وفي الأحياء السكنية، والثاني يتمثل في سعي التحالف إلى إنجاز تقدم سريع في سير المعارك التي لم تَسِرْ -على ما يبدو- وفقَ ما خُطط لها أمام الخسائر البشرية الهائلة في صفوف القوات المهاجمة، بفعل اتباع التنظيم تكتيك الملغمات والأنفاق والطائرات المسيرة.

فشل التحدي الأكبر .. طائفية المعركة:

قبل بدء المعركة حاولت حكومة حيدر العبادي إرسال تطمينات للخارج بأن المعركة ذات طابع "وطني" بعيد عن الطائفية والانتقام وتعهد في أكثر من مناسبة بمنع أي انتهاكات بحق المدنيين.

ومع الأيام الأولى من بدء عمليات التقدم ..جاءت الأخبار مفندةً وعود العبادي، وضجَّت مواقع التواصل وشاشات الإعلام بمقاطع تعذيب وقتل قائم على الهوية ..كل عربي سني في الموصل وضواحيها هدف مشروع بالحجة التي كانت "شماعة ناجحة" أمام الجميع ..تنظيم الدولة.

توالت من هناك مشاهد التعذيب المروعة والإعدامات الميدانية التي قام بها "الحشد الشعبي" ، ولم يكن الأطفال عنصراً مستثنى من هذا السلوك الذي بدا ممنهَجاً ، رغم تصريحات العبادي بأنها ممارسات فردية لا بد أن يحاسَبَ مرتكبوها ، وبدل أن يخضع هؤلاء المقاتلون الذين يدينون بالولاء لإيران أكثر من ولائهم "للعراق"، قامت حكومة العبادي بمكافأتهم عبرَ تشريع يسمح بإدماجهم بالجيش النظامي، ولا يفوتنا في هذا المجال أن نذكِّر بتصريحات عديدة صدرت عن قادة الحشد ، الذين تحدثوا عن أن المعركة في الموصل هي بين "أحفاد الحسين" و"أحفاد يزيد" ، تلك المقولة التي تحمل من الخطورة ما تحمل، لأنها تدعو ببساطة إلى تصفية هالي الموصل على الهوية.

مسلحو المليشيات المسيحية التي شاركت في المعركة لم يكونوا "أكثر إنسانية" من "الحشد الشعبي" الذي دربهم وينضوون أصلاً تحت ألويته، وهنا تتكرر مقولة "حرب الأحفاد" على لسان قائد مليشيا "الحشد المسيحي"، الذي ظهر في مقطع فيديو يتوعد بأن الحرب بين "أحفاد جون" و "أحفاد يزيد"، كما انتشر مقطع مسرب لقائد مسيحي آخر "أسو حبة" يهدد العرب السنة في تلكيف، ويطالبهم بالرحيل من مناطقهم.

البيشمركة الكردية التي تشكِّل محوراً أساسياً في الحرب على تنظيم الدولة في الموصل شاركت أيضاً في انتهاكات بحق المدنيين، ويزداد الأمر عجباً حين نقرأ تقارير عن انتهاكات مماثلة قامت بها مليشيات "الحشد العشائري" المكونة أساساً من "عرب سنة" !

أمام هذه الحقائق -التي أصدرت فيها منظمات حقوقية "أبرزها منظمة هيومان رايتس ووتش" تقارير – لا يمكن بحال من الأحوال وصفُ معركة الموصل بالحرب "النظيفة"، ما يظهر عِياناً أنَّ القوات والمليشياتِ التي قالت جميعُها إنها تريد "تخليص" أهالي من الموصل من قبضة التنظيم وممارساته بحقِّهم، وضعت هؤلاء المدنيين في مأساة إضافية ، تتمثل في أنهم باتوا هدفاً مشروعاً للقتل والتعذيب والاحتجاز التعسفي ، ما دامت المعركة قائمة ضد التنظيم.