الأثنين 2018/12/17

الصناعات الدفاعية التركية.. حصاد عام من التحديات والإنجازات

في كلمة له في ملتقى الصناعات الدفاعية التركية بالمجمع الرئاسي في أنقرة، قال الرئيس رجب طيب أردوغان إنّ تركيا ستنتقل إلى «مصاف الكبار» في الصناعات الدفاعية بفضل التقدم الكبير الذي أحرزته في هذا القطاع. وأضاف أردوغان في الملتقى الذي حمل شعار «تركيا قوة عالمية» أنّ حكومته تتابع في هذه الأثناء مشاريع في مجال الصناعات الدفاعية تبلغ تكلفتها ٦٠ مليار دولار في ٦٥٠ فرعا مختلفا، مشيرا الى أن مراكز التكنولوجيا المباشرة، والتطوير، والبحث تأتي على رأس هذه الفروع، ومؤكداً أن العمل جار لتوفير كل المتطلبات والتدابير اللازمة لتحقيق هذه الأهداف على نحو سريع وناجح.

واستناداً الى تصريحات الرئيس التركي، فقد استطاعت أنقرة رفع نسبة الإنتاج المحلي من الصناعات الدفاعية من ٢٠٪ الى ٦٥٪ خلال سنوات قليلة. ووفقاً لبيانات مجلس المصدرين الأتراك، فقد ارتفع حجم صادرات قطاع الصناعات الدفاعية والطيران بنسبة ١٤.٤٪، خلال الأشهر العشرة الأولى من العام المنصرم، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. وحقق عام ٢٠١٨ أعلى قيمة تصدير للصناعات الدفاعية المحليّة، حيث بلغت قيمتها نحو ١.٨ مليار دولار مقارنة بنحو ١.٧ مليار لكل من عامي ٢٠١٦ و٢٠١٧.

وتصدّرت الولايات المتحدة قائمة الدول المستوردة للصناعات الدفاعية التركية هذا العام بنحو ٥٧٩ مليون دولار، وحلّت ألمانيا في المرتبة الثانية بواقع ١٨٦ مليون دولار، ثم سلطنة عمان في المرتبة الثالثة بنحو ١٥١ مليون دولار. ووفقاً لتقرير معهد استوكهولم لأبحاث السلام (سيبري)، فقد حافظت شركتا أسيلسان وتاي على وجودهما داخل قائمة أكبر ١٠٠ شركة في العالم في مجال مبيعات السلاح لعام ٢٠١٧.

إعادة هيكلة

وشهد عام ٢٠١٨ إعادة هيكلة الصناعات الدفاعية، حيث تمّ إلحاقها برئاسة الجمهورية بموجب مرسوم صادر في يوليو بعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي جرت في يونيو ٢٠١٨، والتي أفضت الى دخول النظام الرئاسي حيّز التنفيذ بشكل فعلي. وتمّ نشر العديد من المراسيم المتعلّقة بهذا القطاع، لعل أبرزها قرار إنشاء وكالة الفضاء التركية التي من المنتظر لها أن تعمل على تطبيق رؤية وطنية في مجال الفضاء والطيران وتطوير البنى التحتية والموارد البشرية وزيادة القدرات والمهارات واكتساب تقنيات جديدة تضمن الوصول المستقل إلى الفضاء.

أبرز القفزات 

حققت أنقرة اختراقاً كبيراً في عام ٢٠١٨ في قطاعات متعددة من التصنيع الدفاعي المحلي، لعلّ أبرزها في مجال الطائرات من دون طيّار والمدرعات المتعددة المهام، بالإضافة الى المروحية المتعددة المهام «جوك بي» التي قامت بأولى طلعاتها الجوية هذه السنة، تمهيداً للبدء بالإنتاج الصناعي. في السابق، كانت أنقرة تعتمد الى حد بعيد على الولايات المتّحدة في ما يتعلّق بالطائرات من دون طيار، ولكن رفض الأخيرة تزويد تركيا بها خلال العقد الماضي دفعها الى تطوير صناعة متكاملة للطائرات من دون طيّار. لم تكتف هذه الصناعة بتأمين حاجات تركيا من هذا المنتج، بل شرعت أيضاً في تصديره الى الخارج.

حاليا تحتل تركيا المرتبة السادسة عالمياً في إنتاج الطائرات من دون طيار وأنظمتها الذكية بالاعتماد على الإمكانات المحلية، ولديها أنوع متعددة تشمل «بيراقدار والعنقاء وألباجو وتوجان وأقنجي». وفي ما يتعلّق بأقنجي تحديدا فمن المنتظر لها أن تحلّق في عام ٢٠١٩، وتعتبر هذه الطائرة الأضخم في هذا المجال، وهي تستطيع حمل أسلحة يتجاوز وزنها الطن وقادرة على البقاء في الجو لمدة يوم كامل. أما الخرق الآخر الذي أنجزته أنقرة في عام ٢٠١٨، فهو انتاج محركات محلية الصنع للطائرات من دون طيار، الامر الذي يعني تحقيق استقلالية كاملة في مجال صناعة هذه الطائرات.

وشهد عام ٢٠١٨ التوصل لاتفاق نهائي رسمي مع شركة «بي ام جي» التركية – القطرية المشتركة لإنتاج دبابة القتال الرئيسية الأولى المحليّة الصنع «ألتاي»، وذلك بعد أن فازت الشركة في أبريل الماضي بعقد بمليارات الدولارات لإنتاج أول دبابة تركية من الجيل الجديد. ومن المنتظر أن تتم عملية إنتاج الدبابة «ألتاي» من خلال مرحلتين، حيث سيتم من خلال المرحلة الأولى «تي١» إنتاج ٢٥٠ وحدة، فيما ستتضمن المرحلة الثانية «تي ٢» إنتاج نسخة متطورة. وعدد الدبابات التي يمكن أن تشتريها تركيا سيرتفع على الأرجح إلى 1000 وحدة، علماً بأنّ الجدول الزمني المتوقع لإنتاج الدبابة هو ١٨ شهراً وفق التوقعات الأوّلية.

وفي العام المنصرم، وقّعت رئاسة الصناعات الدفاعية أيضاً على اتفاقية تعاون مع شركة «تي آر موتور» لتطوير محركات خاصة بالمقاتلة الوطنية المحليّة الصنع من الجيل الخامس والتي يأمل المسؤولون الأتراك الانتهاء منها بحلول عام ٢٠٢٣. ويعد هذا المشروع من أكثر مشاريع أنقرة طموحاً في ما يتعلّق بالصناعات العسكرية والدفاعية، حيث من المفترض ان تستبدل المقاتلة الوطنية بسرب مقاتلاتها من طراز اف- 16 الأميركية التي لا تزال البلاد تعتمد عليها الى حد كبير في مجال القتال الجوي منذ عام ١٩٨٨. ويواجه المشروع تحديات كبيرة على أكثر من صعيد ذلك أنّ عدداً محدوداً من دول العالم قادر فعلياً على إنتاج مقاتلات بشكل مستقل بما في ذلك الدول الكبرى.

التحديات 

من أبر التحديات التي واجهت قطاع الصناعات الدفاعية التركي عام ٢٠١٨ انخفاض قيمة العملة المحليّة الليرة وتراجع الوضع الاقتصادي. هذا الامر هدد برامج المشتريات العسكرية الخارجية التي تهدف الى سد الفراغ الموجود محلياً والى تطوير الصناعات الوطنيّة من خلال شراكات أجنبية أو من خلال نقل تكنولوجيا. ويعدّ نموذج شراء منظومة «إس -٤٠٠» من روسيا، بالإضافة الى مقاتلات «اف-٣٥» الأميركية المتعددة المهام من أبرز الأمثلة على ذلك. يكلّف شراء منظومة «اس-٤٠٠» تركيا نحو ٢.٥ مليار دولار، أي ما يساوي تقريبا ٩ مليارات ليرة عام ٢٠١٧، ولكن نفس المبلغ سيساوي في ما بعد نحو ١٦ مليار ليرة تركية بسبب تراجع سعر الصرف. استطاعت تركيا تخطي بعض هذه المصاعب من خلال إنجاز العقد بالعملة المحليّة والحصول على قرض من موسكو، ولكنّ من المتوقع ان يبقى هذا التحدي قائماً في عام ٢٠١٩.

أمّا التحدّي الآخر، فقد تمثّل في تدهور العلاقة مع الولايات المتّحدة، حيث هدد ذلك بإلغاء عقود قائمة في ما يتعلّق بحصول أنقرة على مقاتلات «اف-٣٥»، كما هدد كذلك مصير عقود لبيع منتجات دفاعية تركية تحتاج الى تراخيص تصدير أميركية بسبب اعتمادها على تصاميم أميركية كما هو الحال بالنسبة الى الصفقة المبدئية البالغة قيمتها ١.٥ مليار دولار لتصدير ٣٠ مروحية من طراز «تي ١٢٩- اتاك» الى إسلام آباد في أكبر صفقة تصدير عسكرية في تاريخ الصناعات الدفاعية التركية.

بالإضافة الى ما تمّت الإشارة إليه، لدى أنقرة مشاريع طموحة جداً في مجال الغواصة الوطنية وحاملات الطائرات والدبابة الآلية، ويعدّ الأخير على سبيل المثال واحداً من المشاريع الصاعدة الذي لم تنخرط به حاليا سوى دولتين فقط على مستوى العالم.