الأربعاء 2019/04/17

السوريون.. وعقدة التصفيق

السوريون وعلى مدى نصف قرن كان التصفيق يشكل هاجساً للطفل منهم قبل الهرم، وذلك نتيجة المساءلة التي يتعرض لها من لم يكن يصفق عند ذكر حافظ الأسد ومن بعده وريثه على كرسي الحكم بشار الأسد، من قبل أفرع المخابرات المنتشرة أو كتّاب التقارير في المدارس أو الدوائر الرسمية.

يذكر الجميع درس الطلائع الذي خصص له يوم في الأسبوع يعود فيها الطفل من المدرسة الابتدائية وقد احمرّت يداه من التصفيق على وقع أغاني تمجيد الحزب والقائد، أما بالنسبة للمرحلة الإعدادية فهناك اجتماع شبيبي أسبوعي يصفق فيه الطلاب ويرددون شعار الحزب قبل الدخول وعند الانتهاء حالهم حال المجتمعين في الفرق الحزبية التي يجب أن تكون عضواً فيها شئت أم أبيت، ومن لم يشأ فعليه أن يتحمل أعباء ذلك من تهم ليس آخرها "أخونجي"، بالإضافة إلى عدم التوظيف وإن كنت تحمل أعلى الشهادات.

تصاعدت وتبلورت عقدة التصفيق شيئاً فشيئاً في سوريا ولاسيما بعد الثورة التي بدا للطغاة أن يرفعوا سقف صوت التصفيق ليعلو على هتاف الثوار ويغطي عليه، وأصبحت وسائل إعلام نظام الأسد مخصصة للتصفيق لبشار الأسد في الشوارع أو الدوائر الرسمية، وينسب الكثير من الناشطين صفة "مجلس التصفيق" للبرلمان غير الشرعي، والذي يمثل أعضاؤه رأس هرم التشبيح في المحافظات رجالاً كانوا أو نساء، ولن ينسى أبناء سوريا مقولة "يجب أن تقود العالم" تحت قبة البرلمان التي اشتعلت حينها بالتصفيق أيضاً.

الأزمة الاقتصادية داهمت نظام الأسد مؤخراً وتمثلت في فقدان الوقود بالإضافة إلى انخفاض الليرة السورية أمام الدولار ووصولها إلى أرقام قياسية، في ظل تخلٍّ تامٍّ عن مد يد العون مادياً من الحليفين روسيا وإيران، وتسببت هذه الأزمة بدخول شوارع المحافظات التي يسيطر عليها نظام الأسد سجلَّ "غنيس" للأرقام القياسية بطول أرتال السيارات أمام الكازيات، ولا غنىً في مثل هذه الأزمات عن التصفيق الذي يمدُّ الأسد بجرعة أمل بالبقاء، فأخذ بعض الشبيحة على عاتقهم مهمة التصفيق بين سيارات وقفت بعضها أربعة أيام أمام محطات الوقود تنتظر أربعة لترات من البنزين، وفق قرارات وزارة النفط التابعة للأسد.

التصفيق لبشار الأسد يعلو كذلك كلما قصفت إسرائيل موقعاً للنظام أو إيران ومليشيات "حزب الله" وقد تتعب أيادي المصفقين، وهذا ما يجعلهم يصفقون بأرجلهم على الأرض التي أنهكتها قذائف بشار الأسد، مشكلين حلقات يدبكون فيها في مشاهد أشبه ما تكون بحلقات طواف الجاهلية بالأصنام التي لم تُؤمِّنْ في يوم طعاماً أو لتر بنزين لعُبَّادها.