الأحد 2017/07/23

الخمسون يوما الأخطر للدبلوماسية الروسية في الملف السوري

انهارت جنيف 2 مطلع عام 2014، واستقال الأخضر الابراهيمي، وتوقفت العملية السياسية بشكل كامل.

الدبلوماسية العالمية يتزعمها لافروف الروسي، وكيري الأمريكي، الأول أكثر ذكاء وخبرة من الثاني بكثير، قد يشفع لكيري هنا تردد رئيسه أوباما، بينما بوتين مندفع، والسياسة الخارجية الروسية تعتبر سوريا من أولوياتها ومناطق نفوذها التقليدية التي يجب أن تحافظ عليها.

روسيا بينما تغيّر الواقع على الأرض بشكل عنيف جداً، إلا أنها لا تريد الهزيمة العسكرية الساحقة للمعارضة، هذا سيضعها في مواجهة عالمية، ولا يحقق لها المكاسب التي ستحصل عليها من استمرار الأوضاع لفترة أطول وابتزاز الأمريكيين والأوربيين، ودول المنطقة.

الحل السياسي بين النظام والمعارضة هو الوحيد المقبول دولياً، طرف النظام متوفر وتحت السيطرة الروسية بشكل كامل، المعضلة في المعارضة التي تعترف الجامعة العربية في قرارها رقم 7572 تاريخ 12/11/2012 بالائتلاف الوطني السوري باعتباره الممثل الشرعي والمحاور الأساسي مع جامعة الدول العربية، وتعترف به الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم 67/262 تاريخ 15 أيار/ مايو 2013 بوصفه الممثل الشرعي للشعب السوري، وهو حضر جنيف 2 وحيداً بهذا الوصف.

في 15 شباط/فبراير 2015 أقرت الهيئة العامة للائتلاف "وثيقة المبادئ الأساسية حول التسوية السياسية في سورية" والتي ترتكز على أمرين اثنين:

1- إن هدف المفاوضات الأساس هو تنفيذ "بيان جنيف" (30 حزيران/يونيو 2012) بكافة بنوده، وفقاً لأحكام المادتين 16 و17 من قرار مجلس الأمن رقم 2118 الصادر في عام 2013، بالموافقة المتبادلة، بدءاً بتشكيل "هيئة الحكم الانتقالية" التي تمارس كامل السلطات والصلاحيات التنفيذية، بما فيها سلطات وصلاحيات رئيس الجمهورية، على وزارات وهيئات ومؤسسات الدولة، والتي تشمل الجيش والقوات المسلحة وأجهزة وفروع الاستخبارات والأمن والشرطة.

2- إن غاية العملية السياسية هي تغيير النظام السياسي الحالي بشكل جذري وشامل بما في ذلك رأس النظام ورموزه وأجهزته الأمنية.

كما هو التغيير الجاري على الأرض، كان لابدّ لروسيا من تغيير قوانين لعبة الحل السياسي وإدخال أدوات جديدة فيها، فعملت على إنشاء منصات جديدة تنافس الائتلاف في شرعيته ثلاث منها روسية صرفة هي منصات موسكو وأستانا وحميميم، ورابعة ترى روسيا أنها قريبة منها في القاهرة.

حاولت روسيا جلب الائتلاف إلى منصاتها للتشارك معه في شرعيته أولاً، ولتغيير رؤيته للحل السياسي ثانياً، فوجهت له دعوات للحضور إلى موسكو في 4 نيسان/أبريل من عام 2015 لكن اجتمعت الهيئة العامة بتاريخ 20 آذار/مارس وقررت رفض المشاركة، وفي نفس الاجتماع رفض الائتلاف أيضاً دعوة للمشاركة في القاهرة. ثم وصلت للائتلاف دعوة للحضور إلى أستانا في 4 2 أيار/مايو 2015 رفضها أيضاً.

السعي الروسي لحضور الائتلاف هذه الاجتماعات رافقه سعي أمريكي أشد لدفع الائتلاف نحو الحديث مع موسكو، ونحو قبول هذه الدعوات، لكن الائتلاف حينها لم يستمع إلى نصائح السفير الأمريكي دانيال روبنستاين الذي غادر منصبه بعد فترة وجيزة، كما لم يستمع إلى نصائح مايكل راتني الذي تحدث لاحقاً أواسط 2016عن إهمال هذه النصائح من قبل الائتلاف. ملمّحاً إلى آثارها السلبية التي انعكست عليه.

يبدو أن الروس إثر هذه المواقف أخذوا قرارهم في ضرورة التخلص من الائتلاف الذي يتمتع بالشرعية الدولية السالفة الذكر كممثل ومفاوض عن الشعب السوري، وبات الأمريكيون مقتنعون بالقرار الروسي.

أثناء ذلك كان دي مستورا لا يزال يحاول إقناع الائتلاف بالمشاركة في مجموعات العمل الأربع التي أقرها مجلس الأمن الدولي، لكن رسالة الائتلاف المؤرخة في 8أيلول/سبتمبر 2015 المتضمنة أسئلة وجهها لدي مستورا توحي برفض الائتلاف المشاركة في هذه المجموعات، وكان رد دي مستورا على الرسالة بتاريخ 18أيلول/سبتمبر 2015 آخر ظهور للائتلاف على الساحة الدولية، وأسدل الستار عليه تمهيداً لظهور بديل عنه، بعدما بات الوسيط الدولي مقتنعاً بالقرار الروسي أيضاً.

دفع الائتلاف ثمن رؤيته السياسية، وعدم استجابته للضغوط الدولية، كما كان مصير المجلس الوطني قبله.

الخمسون يوماً الأخطر للدبلوماسية الروسية في الملف السوري تبدأ الآن في 30/10 تشرين الأول/أكتوبر 2015، وستستمر إلى 18/12 كانون أول/ديسمبر 2015.

30تشرين الأول/أكتوبر 2015 في فيينا وتحت عنوان المجموعة الدولية لدعم سوريا (ISSG)، اجتمع ممثلو كل من جامعة الدول العربية والصين ومصر والاتحاد الأوربي وفرنسا وألمانيا وإيران والعراق وايطاليا والأردن ولبنان وعمان وقطر وروسيا والسعودية وتركيا والإمارات والمملكة المتحدة والأمم المتحدة والولايات المتحدة.

سيكون هذا أول ظهور لطهران في اجتماع دولي حول سوريا، هي لم تشارك في مؤتمر جنيف1/2012 ومع أنها دعيت للمشاركة في جنيف2/2014 إلا أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عاد وسحب الدعوة إثر اعتراض ا

لولايات المتحدة والسعودية، كما ذكرت الخارجية الايرانية.

سيكون أيضاً هذا أول خروج للملف السوري خارج جدران الأمم المتحدة، عملية قرصنة روسية قام بها لافروف بتواطؤ أو بسذاجة من كيري الذي سيتواصل وقوعه في الأفخاخ التي سيستمر لافروف في نصبها له إلى أن تنتهي حياته السياسية بانتهاء ولاية رئيسه أوباما.

سمّي هذا الاجتماع فيينا 1 وصدر عنه بيان من تسع نقاط، وأعقبه اجتماع فيينا 2 في 14/11 تشرين الثاني نوفمبر 2015.

بيان فيينا 2 تضمّن ثلاث توصيات ستغيّر كما سلف قوانين اللعبة السياسية وأدواتها سويًّا.

التوصية الأولى: التمثيل السياسي للمعارضة

"اتفق أعضاء المجموعة الدولية لدعم سوريا على ضرورة جمع ممثلين عن الحكومة السورية والمعارضة في مفاوضات رسمية تحت رعاية الأمم المتحدة، في أقرب وقت ممكن، مع موعد مستهدف هو 1 كانون الثاني/يناير. ورحبت المجموعة بالعمل مع المبعوث الدولي الخاص ستيفان دي ميستورا وآخرين، لجمع أوسع طيف ممكن من المعارضة، والذين سيتم اختيارهم من قبل السوريين، ليقوموا باختيار ممثليهم في المفاوضات وتحديد مواقفهم التفاوضية، وذلك لتمكين العملية السياسية من الانطلاق".

هذه التوصية قبلت الرياض بالعمل عليها، وهي المقصود بها بآخرين مع دي مستورا، لكن رفضت إدراج ذلك علانية في البيان لعلمها بالصعوبات التي ستواجهها في جمع المعارضة السورية، لكنها نجحت في جمعهم بمدينة الرياض في 9-10 كانون الأول/ديسمبر 2015، وأعلن يومها عن تشكيل الهيئة العليا للمفاوضات كجسم بديل للائتلاف الذي تلاشى فيها، كما تلاشى من قبله المجلس الوطني السوري حين أعلن في الدوحة عن تشكيل الائتلاف.

كانت الهيئة العليا للمفاوضات من الهشاشة بمكان، بسبب التباين الشديد للرؤى السياسية لمكوناتها-كما خططت روسيا تماماً-وكان لابدّ من إضفاء شيء من الصلابة والتماسك عليها فاختير رئيس الوزراء السابق رياض حجاب منسقاً عاماً لها، في خطوة شبيهة باختيار معاذ الخطيب رئيساً للائتلاف أول تشكيله لكسب ثقة الشارع السوري. عملت الهيئة على تعزيز الثقة بها بتسمية العميد أسعد الزعبي رئيساً للوفد المفاوض، ومحمد علوش كبيراً للمفاوضين، لكن هذا سيكون مؤقتاً ولجولة تفاوضية واحدة، وريثما يحين الوقت المناسب لروسيا للدفع بأدواتها إلى الواجهة.

هناك خطة إضافية مبيّتة للروس ستظهر لاحقاً في مداولات مجلس الأمن قبيل إصدار القرار 2254

التوصية الثانية: التمثيل العسكري للمعارضة

"فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، ووفقاً للفقرة 6 من بيان فيينا، كرر أعضاء المجموعة الدولية لدعم سوريا التأكيد على وجوب إلحاق الهزيمة بـ "تنظيم الدولة" و "جبهة النصرة" وغيرهما من المنظمات الإرهابية الأخرى كما حددها مجلس الأمن الدولي، وما يتفق عليه المشاركون ويقره مجلس الأمن الدولي. وقد وافقت المملكة الاردنية الهاشمية على المساعدة في بناء فهم مشترك لدى ممثلي الدوائر العسكرية والاستخبارية حول الأفراد والجماعات من أجل تحديد "الإرهابيين"، والموعد المستهدف للانتهاء من هذه العملية هو بداية العملية السياسية تحت رعاية الأمم المتحدة".

تصنيف مجلس الأمن للمنظمات الإرهابية والمجموعات المرتبطة بها ليست هي الوظيفة المطلوبة من الأردن بلا شك، فهذا التصنيف ثابت في قرارات عدة لمجلس الأمن، وإنما زيادات جديدة يتفق عليه المشاركون لضمها إلى التصنيف السابق بقرارات جديدة، لكن يبدو أنه لم يكن هناك وظيفة حقيقية مطلوبة من الأردن فالتصنيف الجديد لم ولن يظهر، وإنما كانت الغاية وضع الفصائل تحت خوف التصنيف ودفعها باتجاه الانخراط في الجسم المزمع تشكيله في الرياض فالقبول والرفض في هذا الانخراط، وبالعملية السياسية القادمة مع عدم معرفة ماهيّتها، كان معيار التصنيف الوحيد حسب ما أبلغت به الفصائل التي تدافعت وتنافست للمشاركة في مؤتمر الرياض، والمطالبة بأكبر عدد ممكن من مقاعد الهيئة العليا للمفاوضات، والوفود المفاوضة.

هدف ثاني للروس كان يتمثل بإجبار الفصائل على فك الارتباط مع جبهة النصرة في المناطق المختلطة بوجودهم معاً، مما سيؤدي للاقتتال بينهم قبيل ترسيم خرائط أماكن سيطرت كلٍّ منهم، وهو ما حصل لاحقاً، وهدف ثالث مبيّت ظهر فيما بعد في فتح مسار أستانا لهذه الفصائل تفاوض فيه النظام بعيداً عن مسار جنيف، ودفعت فيه بإيران كطرف رئيسي مفاوض وضامن ومراقب لاتفاقات وقف إطلاق النار، ومناطق خفض التصعيد، ووضعت نتائج هذا المسار كوثائق رسمية في مجلس الأمن، واستصدرت بها القرار 2336 بتاريخ 31 كانون الأول/ديسمبر 2016.

مسار أستانا كمسار جنيف بعد فيينا المطلوب منهما وضع أرضية جديدة من القوانين الدولية تلغي، أو تصلح أن تكون مفسرة لبيان جنيف وغيره من قرارات بحيث تقترب من التفسير الروسي لها.

التوصية الثالثة: وضع أسس العملية السياسية وجدولها الزمني

"وأكّدوا تأييدهم .......لعملية بقيادة سورية تقوم في غضون فترة مستهدفة أمدها ستة أشهر بإقامة حكم جامع وغير طائفي ويتسم بالمصداقية، ووضع جدول زمني وعملية لصياغة دستور جديد.

وأن تجرى انتخابات حرة ونزيهة وفقاً للدستور الجديد في غضون 18 شهراً.

وهذه الانتخابات يجب أن تدار تحت إشراف الأمم المتحدة وبما يحقق رضا ذلك الحكم، ووفقاً لأعلى المعايير الدولية للشفافية والمساءلة، على أن يكون لجميع السوريين حق المشاركة فيها، بما في ذلك من هم في الشتات".

كانت هذه التوصية أساس القرار 2254 الذي سيصدر بالإجماع في مجلس الأمن بعد شهر تقريباً.

اختتم بيان فيينا 2 بعبارة: "ويتوقع المشاركون ان يجتمعوا بعد حوالي شهر تقريباً لمناقشة التقدم المحرز نحو تنفيذ وقف إطلاق النار وبدء العملية السياسية".

وهو ما حدث فعلا فقد انعقد مؤتمر الرياض بتاريخ 9-10 كانون الأول/ديسمبر 2015، بحضور أكثر من مائة شخصية سورية يفترض أنها تمثل أوسع طيف للمعارضة كما هو مخطط لها. وأدى فيينا ما هو مطلوب منه في تسهيل بدء العملية السياسية في ركيزتيها الاثنتين:

1- إنشاء هيئة المفاوضات كممثل ومفاوض ومحاور وحيد عن الشعب السوري يلغي التشتت الحاصل في صفوف المعارضة، ويجمعها جميعاً في هذه المنصة.

2- وضع الجدول الزمني لأول مرة لعملية الانتقال السياسي.

انتقلت هذه المخرجات وبشكل فوري إلى مجلس الأمن وصدر القرار 2254بتاريخ18 كانون أول/ديسمبر 2015. لكن لنرى كيف لعبت الأصابع الروسية الخفيّة بهذا القرار، وأكملت تنفيذ خطتها في غفلة، أو في عجز من باقي أعضاء مجلس الأمن.

حدث التخريب الروسي للقرار 2254 في القضيتين الرئيسيتين:

1- التمثيل السياسي.

2- العملية السياسية.

أولاً: ما الذي حدث في التمثيل السياسي؟

حسب محضر الجلسة 7588 لاجتماع مجلس الأمن (الوثيقة S/pv.7588) التي حضرها كيري ولافروف للتصويت على القرار 2254 قال لافروف: "والقرار المتخذ اليوم يعزز مراقبة مجلس الأمن لتنفيذ اتفاقات فيينا، بمساعدة الفريق الدولي لدعم سوريا، والأمين العام، ومبعوثه الخاص السيد دي مستورا، سيؤديان دوراً رئيسياً في تنظيم ودعم العملية التفاوضية، بالاستناد إلى نتائج الاجتماعات مع المعارضة السورية، بما فيها تلك الجاري عقدها في موسكو والقاهرة والرياض ودمشق والحسكة وأماكن أخرى".

لماذا أنشئت هيئة المفاوضات في الرياض إذن؟ لم يكتف الروس بإقحام اجتماعات موسكو والقاهرة في صلب القرار 2254 إلى جوار اجتماع الرياض، بل لافروف هنا يقحم أيضاً اجتماعات مثل دمشق(معارضة الداخل)، والحسكة (PYD)، وأخرى مثل أستانا وحميميم، ومع إضافة لمسات دي مستورا في الاستشارية النسائية والمجتمع المدني، فنحن أمام ثمانية منصات، أي ثمانية وفود مفاوضة، وهو ما تبلور واقعياُ في حضورهم إلى جنيف4، ونحن اليوم أنهينا جنيف 7 ولا تزال المنصات تتفاوض بينها حول طبيعة وإجراءات حضورها، وعلاقتها فيما بينها، ودي مستورا يضغط على الجميع لتشكيل وفد موحّد كي ينتقل للمفاوضات المباشرة مع النظام الذي يقف موقف المتفرج الشامت من (تشتت المعارضة)!!.

اللعب الروسي بهذا الملف مستمر وهدفه إضعاف دور هيئة المفاوضات، والتركيز اليوم على تغيير المواقع ومراكز القيادة والتأثير داخل الهيئة، وأعضاء الهيئة يعلمون ذلك ويهمسون به، ويحتاج منهم وقفة حازمة قبل أن يصبح القرار داخل الهيئة روسياً بامتياز.

ثانياً: ما الذي حدث في العملية السياسية؟

وضع لافروف أساساً جديداً للعملية السياسية بقوله: "إن هذا الاجتماع للفريق الدولي لدعم سوريا يبرز التزام جميع المشاركين فيه بعملية فيينا. والقرار 2254 (2015) الذي اتخذناه للتو، يؤيد البيانين الصادرين عن الفريق في 30 تشرين الأول/أكتوبر و14تشرين الثاني/نوفمبر بشأن المضي قدماً لتنفيذ بيان جنيف (S/2012/523،المرفق) المؤرخ 30 حزيران/يونيو 2012.

وهو يؤكد بوضوح، أولاً، أن تلك الوثائق الثلاث تشكّل المنطلق الوحيد لحلّ الأوضاع الدموية في سوريا، وثانياً، أن صيغة فيينا هي الوحيدة التي توحّد الأطراف الخارجية المؤثرة، وهي بالتالي القادرة على تهيئة الظروف الخارجية اللازمة للتوصل إلى تسوية مستدامة وعادلة، عبر المفاوضات بين نظام الأسد، والطيف الكامل للمعارضة".

لافروف يثبّت أمام مجلس الأمن الأرضية والمرجعية الجديدة للحل السياسي في سوريا بالوثائق الثلاث بياني فييا، والقرار 2254، وسيكون هذا القرار بمثابة التفسير والبديل لبيان جنيف، والقرار 2118 المؤيد له.

الأصابع الروسية في القرار 2254 كانت بادية للعيان في موضعين خطيرين اثنين:

1- نصّ القرار 2254 في مقدمته على أن مجلس الأمن "يكرر التأكيد على أنه ما من حل دائم للأوضاع الراهنة في سوريا إلا من خلال عملية سياسية جامعة بقيادة سورية تلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري، بهدف التنفيذ الكامل لبيان جنيف المؤرخ 30حزيران/يونيه 2012، الذي أيده القرار 2118(2013)، وذلك بسبل منها إنشاء هيئة حكم انتقالية جامعة تخوّل سلطات تنفيذية كاملة، وتعتمد في تشكيلها على الموافقة المتبادلة، مع كفالة استمرارية المؤسسات الحكومية".

لأول مرة ترد هيئة الحكم الانتقالية كحل سياسي دون حصرية لها كما هو الحال في بيان جنيف، والقرار 2118، إذ إن الحل الآن يمكن أن يكون بأكثر من وسيلة كحكومة موسّعة، أو حكومة مصغّرة، أو حكومة وحدة وطنية، أو حكومة إنقاذ، أو حكومة مصالحة، وقد يكون من بين هذه الوسائل هيئة الحكم الانتقالية الواردة سابقاً في بيان جنيف، والقرار 2118.

السبل الجديدة تعبّر عن المبادرات الروسية والإيرانية، وتتجلّى في أوضح صورها بالمشروع الروسي للحل القائم على الهدن والمصالحات المناطقية التي وصلت اليوم إلى أكثر من ألفي مصالحة، والاتفاقات المحلية لوقف إطلاق النار التي وقّع عليها أكثر من مئتي فصيل، والمتوّجة باتفاق مناطق "تخفيف التصعيد" التي انضمت إليها بالأمس تماماً منطقة الغوطة الشرقية، مع وجود مطالب من مناطق عديدة لضمها إلى اتفاق تخفيف التصعيد هذا.

والتي يتبعها ترتيبات عودة الحياة الطبيعية لهذه المناطق بالتنسيق مع النظام، ستكون هذه الخطة القائمة على الأرض هي الحل السياسي النهائي، وستفقد المعارضة في جنيف ورقة المفاوضة على شيء اسمه "هيئة الحكم الانتقالية".

2- "كفالة استمرارية المؤسسات الحكومية" الواردة في القرار تتطلب أن يكون التغيير في هذه المؤسسات في المرحلة الانتقالية في حدوده الدنيا، وهو ما يعبّر عنه الروس، ودي مستورا بصراحة متناهية في تصريحاتهم، وانطلاقاً من هذا الاحتمال الكبير في إدخال بعض الإصلاحات على الدستور، والقوانين والتشريعات النافذة الآن، ومثلها إصلاحات في بنية وهيكلية مؤسسات الدولة، فهذا يعني أن الأرضية الدستورية والقانونية التي يسعى إليها دي مستورا من خلال ورشات لوزان التقنية ستكون قريبة جداً مما هم معمول به في البلاد، وهنا تكمن الخطة الروسية في التلاعب بنصٍّ خطير جداً جرى تحريفه عن بياني فيينا، لننظر في هذا التحريف والتلاعب في توصيف السوريين الذين سيشاركون في انتخاب الرئيس القادم:

بيان فيينا1: عملا بما جاء في بيان جنيف 2012 وقرارات مجلس الأمن 2118 فإن المشاركين وجهوا دعوة للأمم المتحدة من أجل تحديد ممثلين عن نظام الأسد والمعارضة من أجل عملية سياسية تقود الى حكم موثوق وشامل وغير طائفي يتبعه دستور جديد وانتخابات على أن تكون هذه الانتخابات تحت إشراف الامم المتحدة ووفق أعلى معايير الشفافية الدولية والمساءلة، وأن تكون حرة عادلة بالنسبة لجميع السوريين بما في ذلك الموجودين في أنحاء المعمورة ليتمكنوا أيضا من الانتخاب.

بيان فيينا 2: ولإطلاق عملية سياسية بقيادة سورية من شأنها، في غضون ستة أشهر، إقامة حكم ذي مصداقية وشامل وغير طائفي، ووضع جدول زمني لوضع صياغة جديدة للدستور. وعقد انتخابات حرة ونزيهة وفقا للدستور الجديد في غضون 18 شهرا. يجب أن تجرى هذه الانتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة وفقا لأعلى المعايير الدولية للشفافية والمساءلة، وذلك بمشاركة جميع السوريين، بما في ذلك سوريو الشتات.

مشاركة جميع السوريين في الانتخابات الواردة في البيانين أدخل عليها الروس تقييدا يحرم الملايين منهم من حق الانتخاب، هذه الملايين هي الملايين المعارضة لبشار الأسد، الذي سيترشح للانتخابات القادمة حسب الرؤية الروسية، وهذه الملايين لن تمنحه صوتها، لذا كان لابدّ من حرمانها وبالقرار 2254 من هذا الحق.

جاء في الفقرة 4 من القرار 2254أن مجلس الأمن" يعرب كذلك عن دعمه لانتخابات حرة ونزيهة، تجري عملاً بالدستور الجديد في غضون 18 شهراً تحت إشراف الأمم المتحدة، بما يستجيب لمتطلبات الحوكمة وأعلى المعايير الدولية من حيث الشفافية والمساءلة، وتشمل جميع السوريين الذين تحقّ لهم المشاركة، بمن فيهم أولئك الذين يعيشون في المهجر".

هذا التقييد على لفظ (جميع السوريين) الواردة في بياني فيينا بـ (جميع السوريين الذين تحقّ لهم المشاركة) هو الهدف الروسي فيما لو استندت الانتخابات إلى قانون الانتخابات المعمول به الآن، والذي ينص على التالي:

الفصل الثالث عشر انتخاب السوريين غير المقيمين على الأراضي السورية.

المادة(105) يقترع الناخب بجواز سفره السوري العادي ساري الصلاحية والممهور بختم الخروج من أي منفذ حدودي سوري.

ملايين السوريين الناخبين لا يملكون اليوم جوازات سفر سارية الصلاحية، ومن يملك منهم جوازاً ساري الصلاحية فهو لا يملك ختماً من أحد المنافذ الحدودية فأغلبهم إن لم يكن كلهم عبروا الحدود هاربين من جحيم نيران قصف النظام.

مثل هذا التلاعب الروسي الذي هو ساحتهم التي يجيدونها يتطلب من المفاوضين التدقيق في كل كلمة، وفي كل حرف سيتم إدراجه في الاتفاق النهائي فيما لو حصل عن طريق المفاوضات.

الخاتمة:

من الممكن إدراج عدد من التوصيات للهيئة العليا للمفاوضات، لكن الموضوع أكبر من ذلك، ويحتاج إلى مراجعة دقيقة من الهيئة للعملية التفاوضية برمّتها قبل التوجّه إلى جنيف 8.