الخميس 2020/12/03

الجامعة العربية والتدخلات الأجنبية في سوريا: ازدواجية معايير

باتت الجامعة العربية ترفع الصوت أكثر فأكثر ضد التدخلات الأجنبية في سوريا، سيما منذ التدخل التركي العسكري شمالي البلاد، الذي جاء نتيجة لسابقاته من التدخلات العسكرية المتعددة، المباشرة وغير المباشرة.

 

وبات تصويب الجامعة نحو التدخل التركي مركزاً مع وضوح الهيمنة المصرية-السعودية-الإماراتية على أجندات الجامعة وحتى قراراتها، مع إدانة التدخل الإيراني بين فينة وأخرى، بالإضافة للتعريج على المخاطر الإسرائيلية بشكل اعتيادي.

 

وما تزال الجامعة تتجاهل بشكل غير مباشر التدخل الروسي لصالح النظام، وحتى الأميركي شرقي سوريا، نظراً لعلاقة الأقطاب المتحكمين بقرارات الجامعة مع واشنطن، أما فيما يخص التدخل الروسي، فالواضح أنه بات يلقى قبولاً من قبل الجامعة، بل ذهبت الجامعة من خلال أمينها العام لمدح التدخل الروسي في سوريا، على اعتبار أن موسكو تعد طرفاً رئيسياً في الحل السوري، بحسبه.  

 

وقال الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، في حوار موسع مع صحيفة "العرب" اللندنية نشر الأمس الأربعاء، إن "الملف السوري تم ترحيله منذ بداية الأزمة إلى الأمم المتحدة، وكان هذا خطأ كبيراً، وقد عبرتُ عن هذا الرأي أكثر من مرة، فسورية دولة مهمة في النظام العربي، وكان ينبغي معالجة أزمتها في الإطار العربي".

 

وأضاف: "ما أريد قوله إن تدويل أزمة سورية، والتدخل العسكري المباشر وغير المباشر لعدد من الأطراف أسهم في تعقيد هذه الأزمة وإطالة أمدها، لأن كافة الأطراف المتدخلة لها مصالح تريد تحقيقها، وبعضها يظن أنه استثمر في هذا النزاع عبر سنوات، ولا يُريد أن يخرج من دون مكاسب".

 

وتابع أبو الغيط: "والخطير ما تحمله بعض هذه الأطراف من نوايا لتواجدٍ طويل الأمد تُمهد له بإجراءاتٍ وسياسات تهدف إلى تغيير ديموغرافي في بعض المناطق السورية، وهذا أمرٌ مرفوض عربياً، وجرى التعبير عن هذا الرفض في عدة قرارات صادرة عن المجلس الوزاري".  

 

ولفت الأمين العام للجامعة إلى أن "أكثر ما يهم الجامعة في نهاية الأمر، وبرغم أي خلاف، هو الحفاظ على وحدة وعروبة سورية وسلامة واستقرار المجتمع السوري بالذات بعد كل ما عاناه السوريون خلال العقد الأخير، أما التوافق العربي لاتخاذ خطوة استعادة سورية لمقعدها في الجامعة فلم يتحقق بعد". 

 

وتابع أبو الغيط، في سياق إدانة التدخلات الخارجية في الدول أعضاء الجامعة العربية ومنها سورية بالقول: "القوى الإقليمية الثلاث الموجودة معنا في المنطقة، إيران وتركيا وإسرائيل، لها أهداف ومصالح تُريد تحقيقها في المنطقة العربية في العقد الأخير، وشهدنا نوعاً من التهور السياسي من جانب تركيا وإيران اللتين أظهرتا نهماً ورغبة في الانقضاض على ما تصوّرتا أنه مكاسب لهما بسبب الفوضى التي دخلت فيها بعض دول المنطقة منذ 2011".  

 

وظهر التناقض وازدواجية المعايير في توجيه أبو الغيط الإدانات للقوى المتدخلة في الدول العربية، عند الحديث عن التدخل الروسي، إذ أشار أبو الغيط إلى أن "روسيا لاعبٌ مهم دولياً وأيضاً في المنطقة، ولديها القدرات والإرادة للعب دور، ولديها أيضاً تاريخ ممتد من العلاقات مع عددٍ من الدول".

 

وأضاف: "بطبيعة الحال، فإن حالة الفراغ الاستراتيجي التي يعاني منها الإقليم سمحت لأطراف كثيرة، منها الطرف الروسي، للقيام بأدوار أوسع من ذي قبل، وبالطبع العلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا بالغة التعقيد والتشابك وسوف تمر بفترة قلقة مع بداية ولاية الرئيس الأميركي الجديد لأسباب مختلفة".

 

ولفت أبوالغيط إلى أن "روسيا أثبتت خلال الفترة الماضية أنها طرف أساسي للحل في عددٍ من الملفات، على رأسها الملف السوري، وبالمناسبة، فهذا لم يبدأ مع إدارة ترامب، لكن بدأ مع إدارة أوباما، إذ حدث التدخل العسكري الروسي في سوريا في عهده، ومثّل نقطة تحولٍ كبيرة في الدور الروسي على الساحة السورية، وفي المنطقة بوجه عام".  

 

وفي حين تطرق أبو الغيط للتدخل الروسي في سوريا بالمديح، فإنه تجنب الحديث عن التدخل الأميركي في البلاد الذي يستهدف البقاء عند منابع النفط ومكامن الثروة، سيما شرقي سوريا، ما يعني أن الإدانة العربية، وعبر الجامعة، ولا سيما تجاه كل من تركيا وإيران، لا تنطلق من تحفّظ الجامعة العربية على همجية النظام في تعامله مع الحراك الشعبي، ومسؤوليته المباشرة باستجلاب التدخل الخارجي الإيراني والروسي والمليشياوي من عدة بلدان.

 

ومن الواضح من موقف الجامعة اعتماده على أجندات سياسية للدول العربية الفاعلة في الجامعة بعيداً عن رؤية السوريين المناصرين للثورة، وهذا ما جعل الأخيرين يشككون في قدرة الدور العربي على تحقيق تحرك فاعل للحل ، ما أجبر المعارضة على اللجوء للتحالف مع قوىً إقليمية لها مصالح خاصة، استغلت دورها في الملف السوري لتحقيقها.