الأربعاء 2017/09/13

البغدادي لزهر الدين ” منا اللحم ومنك العصا “

"منّا اللحم ومنك العصا" جملة شعبية دارجة في مجتمعنا، تقال عادة لمعلم المدرسة لمنحه ضوءا أخضر من الأهالي لاستخدام كل الوسائل التعزيرية بحق أبنائهم الطلاب بما في ذلك "العصا" ويهدف هذا التعزير طبعاً لتأديب الطلاب وزرع الخوف والرهبة داخلهم تجاه المعلم، ورسم المدرسة في مخيلة الطالب على أنها بيت للطاعة ومنبع للتربية وليست فقط مكانا للتعلم.

لا أدري كيف ساقتني الأحداث الجارية في مدينة دير الزور لإسقاط هذه الجملة البالية على الوضع هناك، ففي حين يرى معظم المتابعين أن العودة الدراماتيكية للنظام إلى دير الزور هي نتاج تطورات عسكرية على الأرض ودعم روسي وإيراني واسع للنظام ومليشياته، أجد نفسي ما زلت في معسكر من يتيقن بأن سيطرة تنظيم الدولة المشؤومة على معظم دير الزور في 2014 وتراجعه السريع منها حاليا هي في سياق المؤامرة بين التنظيم والنظام للانتقام من المحافظة التي لم تبخل بكل ما لديها في سبيل الثورة منذ يومها الأول.

خلال الأسبوع الأخير بلغت حالة الإحباط ذروتها لدى المجتمع الديري الثائر المنتشر في أصقاع الأرض وهم يرون النظام ومليشياته يعودون شيئاً فشيئاً إلى مدينتهم بعد أن حرروا كل شبر فيها بعشرات الشهداء، ولم يتركوها إلا مكرهين لعدة أسباب أبرزها غدر تنظيم الدولة بهم، وفرضه حصارا عليهم عبر "إغلاق جسر السياسية" الشريان الوحيد الذي كان يمدهم آنذاك بما يتيح لهم الاستمرار في مقاومة النظام، في سلسلة أحداث لا يتسع المجال للحديث عنها بشكل مفصل.

ووسط حالة الإحباط والخيبة لدى "الديريين" أطلّ الذراع العسكري الأطول لنظام الأسد في دير الزور، الضابط عصام زهر الدين في تسجيل مصور جديد، لم يظهر فيه هذه المرة وهو يقطّع ويسلخ أشلاءً بشرية ولا متفتلا بين مجموعة من المدنيين الجوعى المحاصرين بزعم الاطّلاع على همومهم كما جرى في حالات سابقة، وإنما حمل الفيديو رسائل عدة ، ليس أعظمها تهديده اللاجئين وتحذيرهم من العودة بل إن خروج زهر الدين بحد ذاته في هذا التوقيت مثَّلَ عاملَ تحدٍ وانتقام من أهالي المحافظة بشكل خاص وكأنه يقول لهم : "ها أنا ضابط النظام الدرزي أطل عليكم من قلب مدينتكم ، استوطنت أرضكم وسأحرمكم منها إلى الأبد، لأنكم حاولتم إسقاط النظام".

 

في تلك الأثناء تتسارع خطا جنود زهر الدين بشكل أقرب للمسرحية في المحاور الشرقية والجنوبية والغربية من دير الزور بلا مقاومة تذكر، فتسقط جبال ثردة بعد ثلاث سنوات من أسطورة معارك الكر والفر والهجمات المعاكسة ويصل النظام بعدها بساعات إلى المطار العسكري الذي بقي محاطا بعناصر التنظيم عدة أشهر ثم يبدأ التمهيد لتقدم النظام من محور عياش والبغيلية وكذلك من جهة حي الحويقة الغربية، وكل تلك الجبهات كانت على مدى العامين الأخيرين مسارحَ مواجهات طاحنة لا يكاد يتقدم فيها أي طرف عشرات الأمتار حتى يستعيدها الطرف الآخر.. فما الذي حصل ليتركها التنظيم بهذه السرعة ؟!

وكما كان المدنيون الخاسر الأكبر من اجتياح تنظيم الدولة لدير الزور، فهم أيضاً من يدفع الثمن الباهظ من الدماء بعودة النظام، فما إن أُعلِنَ وصولُ قوات النظام القادمة من البادية إلى الأحياء الخاضعة لسيطرته، حتى انطلقت مقاتلات الاحتلال الروسي كالغربان المشؤومة، وبدأت حملة قصف مسعورة حوّلت المناطق الخارجة عن سيطرة الأسد بالمدينة والريف إلى أرض محروقة، وارتكبت خلال 4 أيام فقط أكثر من ست مجازر راح ضحيتها نحو 150 قتيلاً مدنياً ومئات الجرحى.

ورغم الكارثة البشرية الحاصلة حاليا في مناطق تنظيم الدولة بسبب القصف وارتفاع الأسعار وندرة المواد الغذائية والطبية بشكل فظيع نتيجة إغلاق آخر طرق الإمداد، يستمر تنظيم الدولة بفرض القيود على المدنيين ويمنعهم من الخروج من مناطقه وهو في ما يبدو يحضر لتكرار سيناريو الموصل والرقة المأساويين، لا بل قام بزرع الألغام على حدود المحافظة الشمالية الواصلة إلى مناطق المليشيات الكردية، وهي المنفذ الأسهل نسبيا لمن ينوي الفرار وبذلك يكون التنظيم مشاركا بشكل مباشر في قتل كل مدني يسقط في تلك المناطق سواءٌ بقصف الاحتلال الروسي والنظام والتحالف الدولي أو بسبب الحصار.

تتعدد وجهات النظر والتأويلات عن فرضية التفاهم بين تنظيم الدولة والنظام لإيصال محافظة دير الزور إلى ما هي عليه الآن، وينتهي الجدل حول ذلك لو وجدنا أجوبة على بعض الأسئلة، وهي ألم تكن دعاية أنصار تنظيم الدولة عند السيطرة على دير الزور هي طرد النظام من الأحياء المتبقية فيها، بعد فشل فصائل الجيش الحر آنذاك ؟؟، فإذا لم يتمكن التنظيم من الإيفاء بوعوده المزعومة، أليس حريّاً به أن يعيد الأرض لأصحابها من الجيش الحر والفصائل الثورية، كمحاولة للتكفير عن ذنوبه بدلا من تسليمِها للغرباء؟، إم إن عصام زهر الدين ومرتزقة صالح مسلم أحق بدير الزور في نظر البغدادي، بعد أن تمت مهمة التأديب الموكلة إليه؟