الثلاثاء 2017/06/13

الاقتتال في المناطق المحررة .. هل هي “رمانة” أم “قلوب مليانة” ؟

لم تمض أيام على حادثة الاقتتال بمدينة معرة النعمان في إدلب بين الفرقة 13 وهيئة تحرير الشام حتى تواردت الأنباء بعدها حول اشتباكات جديدة في مناطق درع الفرات بين فصائل تابعة للجيش الحر، أوقعت العديد من القتلى والجرحى، وتحدث آخرون في الوقت نفسه عن حشود عسكرية وتوعدات بين فصائل ثورية أيضاً في محافظة درعا ، ويتزامن هذا مع اشتباكات متقطعة تشهدها غوطة دمشق الشرقية بين جيش الإسلام وفيلق الرحمن، وهي امتداد لاقتتال قديم بين الطرفين خلف عشرات القتلى والجرحى منهما.


في البيت الداخليّ لمعظم الفصائل لا يبدو أمراً يستحق التأني أن تتخذ قرارا سريعا بحشد الأرتال العسكرية وشحنها معنويا وعقائديا وسوقها نحو مقر فصيل آخر للانقضاض عليه، وبحكم تجربة خاضها الجميع مع فصائل ثبت غدرها سابقا كجند الأقصى وقبله بسنوات تنظيم الدولة عندما كان بالشمال أو تجارب مع قادة فصائل ثبتت عمالتهم للنظام، بحكم كل تلك التجارب أصبح من يريد الاعتداء على فصيل آخر يجد بحراً من التهم الجاهزة ليبرر الاعتداء.

وعلى مبدأ (القوي يأكل الضعيف) يرفع عادة الفصيل الأقوى من الناحية العسكرية والحاضنة الشعبية، يرفع سقف تطلعاته لاستئصال الفصيل الآخر والإجهاز عليه نهائياً، متجاهلاً كل التداعيات السلبية التي ستنعكس على الجميع من سقوط ضحايا مدنيين وحصارهم أو التسبب بتوقف القطاعات الطبية والإغاثية والإعلامية.

تتعدد الأسباب المباشرة لتفجير معظم النزاعات المسلحة في المناطق المحررة منها ما يكون عشائرياً أو لأخطاءٍ فردية يرتكبها العناصر أو القادة، ومنها ما يكون ذا طابع انتقامي لتراكماتٍ قديمة شخصية.. وكل ما سبق يندرج تحت إطار النزاعات التي يمكن الفصل فيها وإنهاؤها كما يقال "ببوسة شوارب" واجتماع عند طرف ثالث موثوق يضمن تحقيق عدالة ترضي الجميع.

لكنْ ثمة أسباب أخرى - هي الأخطر - لبعض الأزمات المسلحة بين فصائل الثورة لا يمكننا تجاهلها ، ويحدث ذلك حين يكون الدافع لشن الحرب ضد الطرف الآخر سياسياً مرتبطاً بأوامرَ من الخارج، وفي هذه الحالة يكون الأمل بأن تنطفئ جذوة الاقتتال مرهونا بـ الإملاءات الخارجية أو بمقدار ثورية ووعي العناصر المشاركة بأن الفصائلية وتعدد الأسماء ما هي إلا وسائل لتحقيق الهدف المشترك بانتصار الثورة وهنا مربط الفرس.

بكل الأحوال فإن أي اقتتال بين الفصائل في المناطق المحررة مهما كان سببه ودوافعه سيعود بالفائدة المطلقة على نظام الأسد في كل الأصعدة، ولو تجاوزنا الحديث عن الاستفادة العسكرية لقوات النظام والمليشيات جراء اقتتال الفصائل، كونها باتت أمراً واضحاً وضوح الشمس، فإن الجوانب الأخرى قد يستفيد منها الأسد بشكل أكبر على المدى البعيد، ومنها البروباغندا الإعلامية التي تعد وفق خبراء طوق النجاة الأخير للأسد لتلميع صورته بالخارج إذ سيحاول العزف على هذا الوتر بزعم أن المناطق الخارجة عن سيطرته ليست إلا بؤر نزاعات مسلحة يقودها أمراء حرب، ولا تصلح للحياة المدنية كما سيعزز الادّعاءات الروسية بأن سبب مأساة الشعب السوري ليس فقط نظام الأسد، وخاصة في المناطق التي توقف القصف فيها نسبيا باتفاقية وقف التصعيد.

أزعجني جداً تسجيل يُظهر أشخاصا مسلحين يقومون بضرب وإهانة مسلح من فصيل آخر وتهديده بالإعدام ولا تهمة له سوى الانتماء لذلك الفصيل كما أزعجني أيضا حرب الشعارات المخطوطة على الجدران خلال اقتتال المعرة الأخير، وكأننا أسقطنا الأسد وحررنا الأرض من المليشيات الإيرانية والعراقية والأفغانية والباكستانية وبات نزاعنا فقط على شكل الحكم ومستقبل البلاد، ودون أي اكتراث بأن هذه النزاعات لو استمرت ستقضي على الجميع.

على الرغم من كل ذلك ليس لدي أدنى شك بأن ما شاهدناه مؤخرا من تجاوزات يتحمل وزرها القادة، لا تعكس ما يدور داخل عقلية الثوار كعناصر، وكل ما جرى من انتهاكات فردية سببها للأسف التحريض الكبير على مواقع التواصل، وليس هذا من باب رفع المعنويات أو محاولة الهروب إلى الأمام وإنما من عاش ليوم واحد في الداخل السوري وشعر بأجواء القصف والدمار والمصير المشترك للمدنيين والمقاتلين يدرك بأن كل الاقتتالات سببها "رمانة" لو لم يتدخل فيها أصحاب "القلوب المليانة".