الجمعة 2018/08/03

الأغلى عالمياً بلا قيمة.. جواز السفر السوري يجمع بين المتضادين

لا يزال موضوعُ حصولِ السوري على جواز سفر يتعاظم يوماً بعد يوم خاصةً للسوريين في الخارج الذين لا يملكون وثائقَ ثبوتية بعد لجوئهم أو الذين انتهت مدةُ جواز سفرهم ، ولعل أكثرَ من يعانون من هذه المعضلة اللاجئون الذين يعيشون في دول الجوار ولاسيما تركيا التي تحتضن نحو 3 ملايين سوري، كما يأتي إليها سوريون من دولٍ أخرى لتجديد أوراقهم وثبوتياتهم بسبب اضطراهم لها في المعاملات الرسمية التي تطلبُها الدول المضيفة.

أكثرُ ما يثير السخرية في موضوع طلب الحجز في القنصيلة السورية بإسطنبول أنك وبمجرد أن تفتحَ صفحةَ الموقع تجدُ خطوطاً حمراء عريضة تحذركُ من التعامل مع أشخاصٍ يطلبون المال من أجل حجز الدور وتشدد على ضرورة أن يتم الحجز عن طريق الموقع فقط دون غير، وبالطبع فإن مثل تلك الكذبة ليست وليدةً على السوريين فهم اعتادوا قراءة مثل تلك العبارات في بلادهم قبل تهجيرهم منها ، فالنظام يَعُدُّ الرشوة أساساً لا يمكنه الاستغناء عنه حتى في أبسط المعاملات الحكومية، وهذا ما سعى إلى نقله في القنصليات التابعة له في الخارج لسببين؛ الأول سلب أموال السوريين بأي طريقة كانت، والثانية إشعارهم بالإذلال الذي مارسه ولا يزال ضد القاطنين في مناطق سيطرته.

يقول "زياد" أحد الشبان السوريين اللاجئين في تركيا في حديث مع الجسر إنه عانى كثيراً بموضوع حصوله على جواز السفر من القنصيلة السورية بإسطنبول، فبعد أن يئس من الحجز الإلكتروني اضطر إلى الحجز عن طريق السماسرة الذين يعملون في العلن أمام أبواب القنصلية، وحجزَ دوراً بقيمة 450 دولاراً ثم توجَّهَ للقنصلية ودفع أيضاً نحو 500 دولاراً كرسوم ، وتخللت عملية الحصول على الجواز معاناة لم تخلُ من ممارسات الإذلال التي يقوم بها موظفو النظام أو الآخرون الأتراك المتعاونون معهم على أبواب القنصيلة.

لكنَّ المشكلة بحسبِ "زياد" لم تنته بعد.. فرغم أنه استخرج جواز السفر من القنصلية السورية بعد فترة طويلة إلا أنه يحتاج حجزاً جديداً من أجل تصديق الجواز (وهذا إجراء جديد بات يُطلب حديثاً)، وتكلفته أيضاً نحو 150 دولار ما بين رسومٍ ورشاوى للسماسرة، وقال إن القنصلية رفضت تصديق الجواز بعد أن سلمته إياه أول مرة بدعوى أن معاملة التصديق تحتاج معاملة أخرى ودور جديد.

لا تقتصر تلك الإجراءات على جواز السفر بل إنها تنطبق أيضاً على من يسعى إلى تصديق شهادته أو من يريد أن يعمل وكالة عامة أو خاصة أو شهادة مرور وأية وثيقة يمكن أن تُستخرج من القنصلية لا بد من الدفع أولاً قبل الحصول عليها.

حطّمَ جوازُ السفرِ السوري أرقاماً قياسية في سعره مقارنةً بجوازات سفر لدول أخرى عربية وغربية ، فمثلاً لا يتجاوز سعر الجواز في العديد من الدول الأوربية 200 إلى 250 دولاراً ، بل إنه بسعر أقل في دول عدة، ورغم سعر الجواز السوري الباهظ ووصوله في بعض الأحيان إلى مبلغ 1200 دولار أو حتى 1500 دولار إن كان مستعجلاً، إلا أن عدد الدول التي يُسمح للسوري بزيارتها بدون تأشيرة تُعد على أصابع اليد الواحدة، وترتيبه على مستوى العالم 101 من أصل 104 جوازات سفر ! ، غير أن ما يجبر السوريين للحصول عليه كونه يعد مطلوباً في معاملة تطلبها الدولة التي تستضيفهم أو لسفر أحدهم.

إصرار السوريين على البقاء والانتظار أياماً أمام "قنصلية الذل" للحصول على جواز السفر وغيره من المعاملات يعكسُ بشكلٍ غير مباشر رفضهم للعودة إلى حضن النظام كما تُروّجُ روسيا اليوم وتسعى لذلك بشتى الطرق ، ما يعني أنهم قَبِلوا بهذا الإذلال المؤقت بدلَ أن يُذلوا مدى الحياة إن هم عادوا، وغالبُ السوريين المُهَجرين في دول الشتات بات لديهم اليوم حُلُمُ الحصول على أية جنسيةٍ غير السورية تتيح لهم إنهاء معاناة كبيرة تسببت بها بؤرة الفساد المسماة بالقنصلية بإيعازات من نظامٍ قائمٍ على الفساد والرشوة واقتناصِ الفرص لامتصاص دماء السوريين أينما حلوا وارتحلوا.