الخميس 2016/11/24

الأبدال الأربعون … والأربعون حرامي

(تأسيس سياسي على أنقاض الخزعبلات)

الأبدال الأربعون بحسب التصور الصوفي الذي تتبناه المؤسسة الصوفية الدمشقية المتحالفة مع السلطة : أربعون رجلاً يسعون في قضاء حوائج المسلمين، وهم في الشام. وتروي هذه المؤسسة حديثا عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم: «الأبدال بالشام، وهم أربعون رجلاً كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً، يُسقَى بهم الغيث، ويُنتصر بهم على الأعداء، ويُصرف عن أهل الشام بهم العذاب».

إن هذا التصور ليس جديدا، وإنما يعود لقرون عديدة ماضية ، وقد تصدى نفر من العلماء لهذا الزعم، وفندوه ؛يقول ابن القيم في : "المنار المنيف"ص13" أحاديث الأبدال والأقطاب والأغواث والنقباء والنجباء والأوتاد كلها باطلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقرب ما فيها ( لا تسبوا أهل الشام ؛ فإن فيهم البدلاء ، كلما مات رجل منهم أبدل الله مكانه رجلا آخر ) ذكره أحمد، ولا يصح أيضا، فإنه منقطع ".

وتتمترس المؤسسة الصوفية خلف هذا الحديث، مخدرة أهل هذه المدينة على أن لهم شأنا يعلو على سائر البشر، يشبه التصور اليهودي شعب الله المختار. على الرغم من أن ثمة أحاديث صحيحةً ذُكرت في فضل أهل الشام أشهرها: (طوبى للشام، إن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليه ): صحيح الترغيب - الألباني.

ونحن لا نناقش في هذه المقالة فضل الشام ،وإنما قضية الأبدال الأربعين والاستخدام السياسي للنظام البعثي لها، والمتأمل في هذا الحديث الذي يجعل الشام تحت حماية هؤلاء الأبدال الأربعين ويقارن بين واقعها، يجد بطلانه وكذبه؛ فالمتتبع لتاريخ الشام – ونقصد هنا بلاد الشام التاريخية، وستكون دمشق ضمنا - يجد أن هذه البلدة المباركة تعرضت للنكبات العظام والأحداث الجسام بفعل الغزاة، فقد استباحها القرامطة في القرن الرابع الهجري ،و عاث فيها الصليبيون فسادا؛ على مدى قرنين من الزمان ،وذبحوا من أهل القدس خلقا كثيرا، ثم دخلها المغول ،وفتكوا بأهل حلب وحمص ودمشق ،وأباح تيمور لنك دمشق لجنوده ثلاثة وثلاثين يوما يفعلون ما يشاؤون على رواية ابن كثير الدمشقي، ثم جاءها الاحتلال الفرنسي، وفعل ما فعل، وأقله قصف مدينة دمشق وبرلمانها قبيل الاستقلال بقليل، ولا يخطئ النظر حال فلسطين التي اغتصبها اليهود أمام عيون الناس جميعا ، ثم جاء حزب البعث، وقتل ، وهجَّر ،وعطل دين الله وشرعته ،وللمرء أن يتساءل بعد كل هذا: أين هم الأبدال الذين أُوكلت لهم حماية المدينة وأهلها ...... ويبدو لي أن هؤلاء الأبدال الأربعين منشغلون في شأن آخر يغنيهم عن حماية هذا البلد الطاهر.

لقد غاب الأبدال الأربعون عن دمشق، وجاءت عصابة حافظ الأسد والأربعون حرامي، ونهبت الزرع والثمر والروح ، وحولت هذا البلد المبارك إلى يباب موحش ،نُزعت الرحمة من جميع ساكنيه، وعندما سقطت نظرية القومية العربية، بعد المفاوضات مع إسرائيل واحتلال بغداد2003، وأصبح نظام عائلة الأسد معلقاً في الهواء دون إيديولوجية، قفز مشايخ دمشق الصوفية، وقدموا لهذا النظام نظرية الأبدال الأربعين، واختُصرت بجملة بسيطة أصبح الجميع يرددها، وتغنى بها بشار الأسد كثيرا، وكتبت على الجدران وهي جملة ( سوريا الله حاميها ) التي استُجلبت من بطون كتب الصوفية ، وروَّج لها مشايخهم المتحالفون مع النظام ، وأصبح لهذا النظام من جديد حامل إيديولوجي؛ فصرنا نرى الاحتفال بالأعياد النبوية وظهورا متكررا لبشار الأسد في المناسبات الدينية، وبعد اغتيال رفيق الحريري وازدياد الضغوط على النظام السوري ،وانسحابه المذل من لبنان، أطل بشار علينا ليقول لنا : (سوريا الله حاميها) ، وعندما نجوع ونعرى،ونهاجر بعيدا سعيا وراء الرزق، يخرجون علينا بمفهوم البركة التي أعطاها الله للشام ، وبهذه العبارة البسيطة تنصلت الدولة من جميع استحقاقاتها اتجاه المواطنين، واتجاه القضايا المهمة، فأُهمل الجيش، واستشرى فيه فساد مروَّع ،حتى تحول المجندون لخدم عند نساء الضباط ؛ لأننا لا نحتاج لهم؛ فسوريا الله حاميها، و تعطل كل شيء: التنمية ،والتعليم، والصناعة ؛لأننا لسنا بحاجة إليها بما أن البركة تحف جنبات الشام ....

لقد سقطت سوريا في وحل هذه المقولة التي كانت تعني بالضبط: أن يقتسم سوريا الأبدال الأربعون الذين يسرقون روح الإنسان، ويحولونه إلى طحلب سلبي؛ إلى قطيع يمشي على غير هدى ، والأربعون حرامي؛ عصابة الأسد التي تسرق كل شيء، تحت ظل هؤلاء الأبدال .

وعندما تعرض الأربعون حرامي للثورة، قام رجال المؤسسة الصوفية يستنجدون بالأبدال الأربعين لحماية الأربعين حرامي؛ لأنهم شركاء في السرقة، ومن يظن أن البوطي وحسون والمؤسسة الصوفية مشايخ على هامش النظام يكون قد جانب الصواب ، إنهم شركاء في النظام، واصطفافهم معه اصطفاف وجودي .