السبت 2019/07/06

احتجاز السفينة الإيرانية.. رسالة أمريكية أوروبية صارمة للأسد

في منتصف حزيران- يونيو الماضي، نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية تقريراً مطولاً، كشفت فيه كيف تمكّنت إيران من تجاوز العقوبات المفروضة عليها، لإيصال شحنات النفط الخام إلى حليفها الأسد، الواقع هو الآخر تحت بند العقوبات الدولية.

وأوضح التقرير حينها أن خمس ناقلات من النفط الخام الإيراني وصلت بالفعل إلى ميناء بانياس أوائل شهر أيار – مايو وفقاً لصور الأقمار الصناعية ومسارات تتبع السفن في المياه الدولية، مشيراً إلى أن كل سفينة من السفن الخمس تؤمّن نحو مليون برميل لنظام الأسد، الذي كانت مناطقه قبل ذلك التاريخ بأسابيع، ترزح تحت أزمة خانقة من نقص الوقود، لأن آخر دفعة من النفط الإيراني كانت قد وصلت إلى سواحل الأسد قبل نحو 6 أشهر من وصول هذه الدفعة.

وفقاً للإحصائيات فقد سلّمت إيران بين 2017 و2018 لنظام الأسد نحو 50 ألف برميل من النفط يومياً، تصل قيمتها إلى 3 ملايين دولار يومياً أو مليار دولار سنوياً، بموجب اتفاقية "الخط الائتماني" بين طهران ودمشق، والتي تم التوقيع عليها بين الجانبين منتصف كانون الثاني -يناير 2013، وأعيد التصديق عليها في أيار -مايو 2015، وتتيح الاتفاقية لنظام الأسد استيراد بضائع بقيمة مليار دولار سنوياً من إيران، للتخلص من آثار العقوبات الغربية المفروضة عليه منذ 2011.

ومع فرض العقوبات الأمريكية على طهران في تشرين الثاني - نوفمبر 2018 توقفت إمدادات النفط من إيران إلى سوريا.

المهم في تقرير "وول ستريت جورنال" المذكور، أنه سلط الضوء على الطريقة التي استطاعت من خلالها إيران اختراق نظام العقوبات المفروضة عليها، وقالت الصحيفة الأمريكية إن طهران أوصلت نفطها للأسد عن طريق قناة السويس، مرجّحة أن يكون الأمر تم بموافقة الحكومة المصرية، على الرغم من أن القاهرة منعت في آذار- مارس ( أي قبل شهر واحد من وصول الدفعة)، ناقلة نفط مُدرجة في اللائحة السوداء من دخول قناة السويس.

قبل أيام احتجزت سلطات جبل طارق (التابعة لبريطانيا) ناقلة النفط الإيرانية "غريس 1" في مياه مضيق جبل طارق، وكانت الناقلة -التي ترفع علم "بنما"- متوجهة إلى السواحل السورية، ما فتح علامات استفهام حول مصيرمسارات النفط الإيراني المتوجّه للأسد.

لماذا تفادت "غريس1" العبور من قناة السويس؟

تستطيع ناقلة النفط الإبحار من الخليج إلى السواحل السورية عبر بحر العرب ثم البحر الأحمر وقناة السويس في يوم واحد فقط.. فلماذا تفادت "غريس 1" هذا المسار القصير والسريع، لتقطع طريقاً طويلاً يدور عبر "رأس الرجاء الصالح" في أفريقيا بمسافة تبلغ 12 ألف ميل بحري للوصول إلى سوريا؟

إذاعة "فردا" الأمريكية الناطقة بالفارسية أعطت تفسيرين تقنيين للمسألة:

1- ناقلات النفط العملاقة تمر عبر قناة السويس بشرط أن تكون قادرة على اجتياز الأعماق التي لا تزيد عن الـ20 متراً، فإذا كانت الناقلة أثقل يتم تفريغ بعض النفط الخام الذي تحمله قبل دخول القناة وضخه عبر أنبوب إلى الجانب الآخر من القناة وتحميله من جديد. ووفقاً للإذاعة الأمريكية فإن السعودية تملك حصة في هذا الأنبوب ولن تسمح لإيران من الاستفادة منه.

2- ربما يكون هذا الأنبوب مصمماً لنقل الخام الخفيف أو شبه الخفيف، وليس الثقيل، الذي كانت تنقله "غريس 1".

السبب الأول إذاً أرجعته إذاعة "فردا" للسعودية، والسؤال: إذا كانت السعودية وراء هذا المنع، فلماذا سمحت بالعبور في أيار الماضي، وهي التي تستطيع الضغط على القاهرة لمنع عبور أي شحنات إيرانية؟ ثم إن العقوبات المفروضة على طهران تمنع القاهرة أصلاً من السماح بعبور السفن التجارية الإيرانية!

من المقصود باحتجاز السفينة "غريس1"؟

للإجابة عن هذا السؤال نحتاج إلى الوقوف أمام مجموعة من الحقائق والتساؤلات:

1- تأتي حادثة الاحتجاز في وقت حساس جداً بالنسبة للعلاقة بين الأوروبيين وإيران، إذ تسعى الدول الأوروبية الموقّعة على الاتفاق النووي 2015، إلى إقناع إيران بالالتزام ببنود الاتفاق مقابل الآلية المالية المسماة "انستيكس"، التي تتيح لطهران الالتفات على العقوبات الأمريكية، كما تسعى تلك الدول بالمقابل إلى إقناع ترامب بتخفيف العقوبات.

ولهذا لاحظنا ردة الفعل الحادة من قبل إيران التي وصفت احتجاز السفينة بـ"غير القانوني"، وقامت باستدعاء السفير البريطاني للاحتجاج على الخطوة.

فلماذا تُقدم بريطانيا الآن على الإيعاز لسلطات جبل طارق باحتجاز ناقلة النفط الإيرانية وإغضاب طهران في هذا التوقيت الحرج؟

2- من المعلوم أن شحنات النفط الإيرانية للأسد لا تدخل ضمن نطاق التجارة الإيرانية بالمعنى الحرفي للكلمة، فإيران لا تقبض من الأسد أموالاً، بل تدعمه بالأموال والبضائع كديون طويلة الأمد، أو مقابل عقود استثمارات طويلة تحصل عليها في الأراضي السورية، فإيران بمعنى آخر تقدم للأسد النفط بأثمان زهيدة أشبه بالمجان، فما معنى احتجاز سفينة تابعة لها لا تحقق لها أي منفعة؟

3-  قال رئيس وزراء جبل طارق "فابيان بيكاردو" حول أسباب احتجاز السفينة الإيرانية: "تلك المصفاة (أي مصفاة بانياس) مملوكة لكيان خاضع لعقوبات يفرضها الاتحاد الأوروبي على سوريا".

وقال المتحدث باسم رئيسة الوزراء البريطانية "تيريزا ماي": "نرحب بهذا الإجراء الحازم لتطبيق عقوبات الاتحاد الأوروبي على النظام السوري، ونشيد بسلطات جبل طارق التي شاركت في تنفيذ العملية صباح اليوم بنجاح".

التصريحات لم تشِر إلى أن الاحتجاز جاء نتيجة للعقوبات المفروضة على إيران، والأوروبيون كما أسلفنا غير مقتنعين أصلاً بجدوى تلك العقوبات، بل إنهم حذروا واشنطن من المضيّ فيها. التصريحات تشير إلى أن نظام الأسد هو المقصود من الخطوة، التي تعد أول حادثة احتجاز من نوعها بموجب العقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على نظام الأسد منذ أيار 2011.

الضغط على الأسد

ما سبق يعطي انطباعاً معقولاً أن إيران لم تكن هي المقصودة من حادثة الاحتجاز، بل المقصود تماماً هو نظام الأسد، وعلى الرغم من أن الحادثة كما قلنا سابقاً هي الأولى من نوعها، فإنها تشير في هذا التوقيت إلى رغبة غربية في الإمساك بيد الأسد "التي توجعه"، وهو النفط، الذي سبّب نقصانه في شباط وآذار الماضيين إلى اندلاع موجة تبرّم غير مسبوقة في المناطق الخاضعة لسيطرة الأسد.

المبعوث الأممي إلى سوريا "غير بيدرسن" سيزور دمشق خلال وقت قريب، لوضع اللمسات النهائية على ملف أعضاء "اللجنة الدستورية" التي لا يزال نظام الأسد يعرقل ولادتها منذ شهور، عبر اعتراضه على 6 أسماء فيها، واعتراضه القائل إن ملف الدستور "سيادي" بحت.

المسؤولون الروس والأتراك أدلوا بتصريحات عن قرب إنجاز اللجنة، التي يقول متابعون إنها باتت بشكل فعلي المسار الجديد للحل السياسي في سوريا، عوضاً عن مسار جنيف المتوقف أصلاً، وأمام خشية المجتمع الدولي من ألاعيب جديدة قد يقوم نظام الأسد بافتعالها لخلط الأوراق، جاء احتجاز السفينة الإيرانية كرسالة ضغط أمريكية أوروبية قد تكون روسيا موافقة عليه ضمنياً.