الأحد 2020/01/05

إيران المفلسة.. كيف انتقل “سليماني” من قمع الثورات إلى “حضن الحسين”؟!

لم يكن مصرع "قاسم سليماني" لدى إيران وأذرعها حدثاً عابراً، بل كان استثنائياً بامتياز، فالجنرال الذي كان يقود فيلقاً تابعاً للحرس الثوري، كان في الوقت نفسه يقود مهمة قومية كبرى، وهي "تصدير الثورة الإيرانية"، وفرض إيديولوجيا "الولي الفقيه" على شعوب المنطقة، سواء أكان ذلك بالحديد والنار، أو بالترغيب و"التبشير".

من هنا يتّضح حجم الألم الذي سبّبه مقتل سليماني لطهران، التي كانت تعلّق عليه آمالاً عريضة في مسيرة استعادة أمجاد إمبراطوريتها الغابرة.

وفي معمعة التهديدات بـ"الثأر" لمقتله، التي لا تعدو أن تكون مع مرور الوقت زوبعة في فنجان، والتفاعل الواسع جداً في مواقع التواصل الاجتماعي، وسيل التصريحات الدولية حول الحادثة، أثار المرشد الإيراني "علي خامنئي" زوبعة من الجدل بعد نشره على حسابه في "انستغرام" صورة تمثيلية للحسين بن علي -رضي الله عنه- وهو يحتضن "جثمان سليماني"، في إشارة إلى أن الرجل ارتقى إلى مصافّ الشهداء والصّدّيقين والصالحين وآل البيت!.

معظم من علّقوا على نشر هذه الصورة لم يأخذوا فحواها على محمِل الجِد، بل غلبت لهجة السخرية، وحضرت عبارات الاستهجان والاستنكار.

لا بد من القول أولاً إن جميع الأنظمة القمعية الخاوية والبائسة التي تهتم ببناء القوة على حساب كرامة الإنسان وصيانة حقوقه، مولعة بربط الأحداث بالغيبيات أو الدين أو بالتاريخ البعيد، وإن كان هذا الربط يخرج في كثير من الأحيان عن سياق المنطق والعقلانية، فصورة الحسين وهو يحتضن سليماني أو وهو يرحب به في الجنة – كما جاء في صورة ثانية- رآها السوريون سابقاً في عهد عائلة الأسد، فهم يتذكرون جيداً صورة "باسل" وهو يصعد بحصانه إلى "الجنة" بينما يقوم أبوه "حافظ" بتوديعه على بابها!.

ثم من ناحية ثانية، فإن عقلية هذه الأنظمة الدموية تتوهم أنها ليست فقط متحكّمة بالواقع الملموس، بل إنها قادرة كذلك على صنع الأقدار والمصائر، فتوزّع الجنة والنار على من تشاء وبحسَب ما تميل إليه سياستها. وفي ظل إفلاسها من الإنجازات المادية الملموسة للإنسانية، فإنها تلجأ إلى رسم صورة سُريالية لـ"إنجازاتها" تستدعي فيها الدين أو التاريخ أو الغيب أو حتى الكائنات الفضائية.

وبالعودة إلى صورة "خامنئي" العجيبة، يحق للمتابع أن يتساءل بعقلانية وبعيداً عن السخرية.. ما علاقة الحسين بن علي بسليماني؟

الجواب لدى الطرف الآخر سيكون حاضراً بالتأكيد، فإن الحسين – بنظرهم – ثار على "الظلم" و"الاستكبار" وقاوم آنذاك "قوى الشر والباطل".. وسليماني كذلك يُفترض أنه سار على النهج نفسه وقارع "الشيطان الأكبر" (أمريكا)، ولذلك استحق أن يحتضنه حفيد الرسول صلى الله عليه وسلم.

لكن مهلاً.. هل من الممكن أن يعدد لنا خامنئي والمعجبون بالصورة إياها، إنجازات "سليماني" في مقارعة "الباطل" وقوى "الشر والاستكبار العالمية"؟

يمثل "الحسين" لدى أتباع "الشيعة الإثني عشرية" نهج "الثورة" فماذا فعل سليماني في هذا النهج؟ أليس هو من وقف ضد الثورة السورية وجلب على السوريين شذاذ الآفاق الطائفيين فعاثوا قتلاً وتدميراً وتهجيراً باسم "العتبات المقدسة" لحماية "بشار الأسد"؟، وفي العراق، ألم يكن سليماني مسؤولاً بشكل مباشر عن قمع الاحتجاجات وتوجيه مليشياته بقتل المتظاهرين والإمعان في البطش دفاعاً عن النظام القائم؟، وينسحب الأمر كذلك على لبنان واليمن وما يجري في تلك البلدان من تحويل حقوق الناس المشروعة إلى حروب طائفية وصراعات بالوكالة.

قاد الجنرال الإيراني الأشد فتكاً فيلقاً يحمل اسم "القدس" في إشارة إلى "تحريرها"، على الرغم من أنه طيلة حياته لم يفعل شيئاً سوى أنه بنى دعايته على جماجم الثائرين، ولم يقدّم هو ونظامه دعماً إلا للديكتاتوريات الفاسدة القمعية، وبناء على ذلك قال بعض السوريين تعليقاً على الصورة الخنفشارية: "من وين لوين حتى يصير سليماني بحضن الحسين"؟!