الثلاثاء 2020/08/04

إلى من توجه أصابع الاتهام في اغتيال رموز العشائر بدير الزور ؟

يطالب أهالي مناطق سيطرة "قسد" والتحالف الدولي في دير الزور بالكشف عن المسؤولين عن اغتيال اثنين من شيوخ العشائر وإصابة آخر، في عمليتين منفصلتين، وذلك بحكم سيطرتهما على المنطقة، حيث يجب أن يكون الأمن مسؤولية كل منهما.

من هم شيوخ العشائر الذين تعرّضوا للاغتيال والإصابة؟

تمثل عشيرة العكيدات وقبيلة البكارة أكبر مكونين عشائريين في ريف دير الزور، والاغتيال استهدف أحد شيوخ عشيرة البو رحمة من قبيلة البكارة وهو الشيخ علي السلمان الويس، وهو أحد وجهاء بلده الدحلة بريف دير الزور الشرقي وعضو مجلس بلدة سابقاً، وقد التزم منزله بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، ولم يقف مع نظام الأسد.

وماهي إلا أيام لتأتي عملية الاغتيال الثانية، وهذه المرة استهدف المجهولون سيارة تقل الشيخ امطشر الهفل وإبراهيم الهفل، وهما من وجهاء عشيرة العكيدات، واللذان يعرف عنهما عدم مناصرتهما أو اصطفافهما مع "قسد"، وعملا على ردم الهوة ونبذ الخلافات بين أبناء ريف دير الزور والعمل على مصالحات بشكل فردي بعيداً عن المليشيات التي تتفرج على ما يجري من فلتان أمني دون أي تحرك لردعه رغم ادعائها ذلك، ويشار إلى أن خليل إبراهيم الجدعان هو شقيق مصعب الهفل، شيخ قبيلة العكيدات، وأن الأخير وكّل شقيقه مؤخراً الشيخ إبراهيم بتمثيله والنيابة عنه في أمور القبيلة.

إذن فإن الضربة التي وجهها منفذو عملية الاغتيال كانت لأكبر مكونين في مناطق سيطرة "قسد" (العكيدات والبكارة)

من المستفيد؟

هناك 3 أطراف يمكن أن تكون متهمة بهذه الاغتيالات لرموز العشائر بدير الزور، ولكن لكل منهم ظروف قد ترجح كفة اتهام طرف على حساب آخر، وفق المعطيات وردود الفعل التي نتجت وستنتج عن هذه الاغتيالات.

- تنظيم الدولة:

كان تنظيم الدولة يحكم سيطرته على ريف دير الزور بشكل كامل قبل أعوام، وكان ينفذ عمليات الإعدام بحق كل من يريد دون حساب أو خوف، ويعلن ذلك على مواقعه دون أي تستر، وفي تلك الفترة كان الشيوخ المستهدفون بعمليتي الاغتيال موجودون على الأرض وكان يستطيع إعدامهما في تلك الفترة، إلا أن ذلك لم يحدث، وبعد سيطرة المليشيات الكردية على المنطقة أيضاً كانت خلايا التنظيم التي تنفذ عمليات اغتيال تعلن مسؤوليتها عن كل عملية تنفذها في ريف دير الزور، وأحياناً تنفذ العمليات تحت مرأى ومسمع الجميع بما في ذلك "قسد"، والاستهداف وفق معظم الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي يكون لعملاء للنظام أو المليشيات الكردية، ولكن خلايا التنظيم في حادثتي الاغتيال بحق "السمان" والهفل" لم تعلن مسؤوليتها عن ذلك، وقال بعض الناشطين إن التنظيم نفى مسؤوليته عن العمليتين، وبهذا يرى مراقبون أن التنظيم بعيد عن دائرة الاتهام، لعدم وجود مصلحة له في استهداف رمزين من رموز البكارة والعكيدات، رغم تورطه بقتل آلاف الأبرياء والمدنيين في فترة حكمه للمنطقة وبعد سيطرة "قسد" عليها.

-مليشيات "قسد"

حاولت "قسد" وتحاول منذ سيطرتها على المنطقة كسب ود وجهاء وشيوخ العشائر في مناطق سيطرتها بالترغيب والترهيب، وذلك لمعرفتها بأن لهم تأثير في المنطقة، وعملت على عقد أكثر من لقاء معهم بعد سيطرتها على المنطقة، ولكنها في الوقت ذاته عملت على التسهيل والسكوت عن عمليات الاغتيال والسرقة والتشليح التي جرت في المنطقة، وفي بعض العمليات كانت متواطئة مع الجناة والفاعلين، وذلك لقرب حواجزها وعناصرها من أماكن الجرائم التي تحصل في المنطقة، دون أن تحرك ساكناً، بل على العكس تماماً كانت تتغاضى عن معظمها، ويقول ناشطون إن عناصرها كانوا يتقاسمون مع الجناة مايحصلون عليه بعد تنفيذ عملياتهم من أموال أو ممتلكات.

في اغتيال الشيخ "امطشر" قال ناشطون إن حاجز مليشيات "قسد" لم يكن يبعد كثيراً عن مكان الحادث ولكنهم لم يتدخلوا أو يتجهوا إليه، وتركوا الأهالي يقومون بعمليات الإسعاف بعد اكتشافهم أن المستهدف هو شيوخ ورموز عشيرة العكيدات، وذلك يضيف إلى مليشيات "قسد" اتهاماً آخر ويمكن وضعها في دائرة التهمة بالضلوع بعملية الاغتيال ولاسيما أن الشيخين "مطشر وإبراهيم الهفل" لم يناصرا ولم يظهرا مع قسد بتاتاً ودائماً يسعون للصلح بين أبناء المنطقة بعيداً عن سلطة قسد، ويوم الحادث كانا متجهين لقرية غرانيج لفض اشتباك دار بين أبنائها، وإقامة الصلح بينهم، بينما وقفت "قسد" متفرجة على هذا الاقتتال الحاصل في الشعيطات.

على الجانب الآخر من الحادث يحاول البعض نفي صلة أو علاقة المليشيات الكردية بحادثي الاغتيال بحق وجهاء عشائر العكيدات والبكارة، وذلك لمعرفتها التامة بما لهذا الفعل من ردود فعل قد تعود وبالاً عليها، ولاسيما أن المنطقة ماتزال تعيش حالة الحرب التي لم تهدأ منذ اندلاع الثورة السورية وتعاقب المسيطرين عليها، ويزيد على ذلك تصرفات المليشيات الكردية في المنطقة من مداهمات واعتقالات عشوائية أججت نار الغضب عليها، بعد اعتقالها مدنيين وتصويرهم على أنهم خلايا تابعة لتنظيم الدولة،بينهم

شيوخ وأطفال وحتى ذوي الاحتياجات الخاصة لم يسلموا من الاعتقال والتهمة بالانتماء للتنظيم.

-نظام الأسد

يعد نظام الأسد المستفيد الأكبر من هذه الاغتيالات التي إن لم تُحدث فتنة بين القوات التي تسيطر على المنطقة "قسد" من جهة، والعشائر التي استُهدفت رموزها من جهة أخرى، وقيام حرب بينهما، فإنها تكون قد خلقت الفوضى في أرض لا يسيطر عليها النظام، رغم أنه يريد ذلك ويعمل عليه، منذ أن بسطت "قسد" نفوذها على المنطقة الأغنى نفطياً وزراعياً في سوريا، وذلك ما تسبب في زيادة الضغط الاقتصادي على نظام الأسد.

وفي وقت سابق، ألقت المليشيات الكردية القبض على عدة خلايا تابعة للنظام تقوم بتفجيرات وعمليات اغتيال، كما قام تنظيم الدولة بتصفية الكثير من عملاء وعناصر وشبيحة النظام في ريف دير الزور، من خلال خلاياه التي أعلنت على معرفاتها تبنيها، وأظهرت وثائق تشير إلى أن من قامت بتصفيتهم تابعون للأسد، وذلك إن دلّ على شيء فإنما يدل على أن المنطقة ماتزال قيد تصفية الحسابات التي قد تزيد حدّتها بعد الإعلان عن توقيع اتفاق بين الولايات المتحدة و"قسد" حول اتفاق لبيع النفط المستخرج من مناطق سيطرتها إلى شركة نفط أميركية، كما يمنح العقد الشركة الأمريكية حق استكشاف واستخراج وتطوير حقول النفط.

وخضع العقد الموقع لموافقة "مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة الأمريكية" وتم إخبار مجلس الشيوخ الأمريكي في جلسة لجنة العلاقات الخارجية بهذه الصفقة عبر "ليندسي غراهام" السيناتور الجمهوري المقرب من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وأن وزير الخارجية "مايك بومبيو" أبدى موافقته على تلك الصفقة.

-ردود فعل الشارع شرق دير الزور

ولعل نتائج ما أراده من يقف وراء الاغتيال بدا جلياً بعد أن بدأت المظاهرات من المدنيين واقتحام مقرات "قسد" التي قابلت المتظاهرين المطالبين بكشف حقيقة من يقف وراء الاغتيالات، بالرصاص، وأوقعت جرحى، إذ خرجت اليوم الثلاثاء ولليوم الثاني على التوالي مظاهرة حاشدة شرق دير الزور تطالب قوات التحالف الدولي بالكشف عن منفذي عملية الاغتيال، ما أدى إلى اندلاع مواجهات بين أبناء القرية وعناصر "قسد" أسفرت عن إسقزط ضحايا مدنيين بنيران "قسد"، ولعلّ هذا الفعل سيكون شرارة لمواجهات لن تكون الأخيرة بعد تكرار الاعتداءات على المطالبين بحقوقهم في كشف حقيقة وقوف الأطراف المستفيدة من اشتعال المنطقة من جديد، ودخولها بمواجهات يعتبر نظام الأسد المستفيد الأكبر منها.

ووفق كل هذه المعطيات نجد أن الخاسر الأكبر في معادلة فرض القوى والتناحر في السيطرة على المنطقة هم المدنيون في مناطق أنهكتها الحرب المستمرة والتي لم تتوقف منذ عام 2011 إلى يومنا هذا، ويبقى السؤال يتردد على لسان أبنائها: (إلى متى تنزف المنطقة من أجل أن يسيطر هذا الطرف أو ذاك عليها"!).