الخميس 2017/06/22

إرهاصات الزمن المقلوب

كثيراً ما أصبحت كلمة "إرهاب" تتردد على مسامعنا عند متابعة الأخبار والتحليلات في الآونة الأخيرة، وفي غالب الأحيان يجرنا وقعُ هذه الكلمة إلى أشخاص أو حركات ذوي صفات وأيديولوجيات معينة، ويُحرف انتباهنا عن أشخاص مشهود لهم بقتل مئات الآلاف من الناس .. ما السبب في ذلك ؟

في جولة سريعة على المواقع الإخبارية لفتني عنوان عريض لإحدى وكالات الأنباء وهو "اتفاق مصري إماراتي على مكافحة تمويل وإعلام الإرهاب" ويتذيله  صورة تجمع عبد الفتاح السيسي ومحمد بن زايد خلال زيارة الأخير إلى مصر قبل أيام ، لا يبدو الاتفاق ذا توجه معين لو أنه جاء في غير هذا الوقت الذي يشهد حرباً إعلامية كبيرة وحصاراً إنسانياً ضد قطر، وليس من باب الصدفة أن تتوحد المصطلحات بين العنوان المذكور أعلاه والذريعة التي تُحاصَرُ من أجلها قطر وهي "تمويل الإرهاب"، إذ يظهر جلياً من خلال عنوان الاتفاق أنه يأتي في سياق الحرب المعلنة ضد الدوحة.

لسنا في صدد الحديث عن الأزمة بين قطر والدول المقاطعة وتشعبات الموضوع ولكن ما يجذب بالأمر هو جنون المصطلحات المنتقاة لاختيار التهم بين المتصارعين في الأزمات الحالية ومنها الأزمة الخليجية، فتجد مثلا شخصا كـ"السيسي" الذي وصل إلى الحكم بانقلاب دموي على الشرعية بعد أن قتل آلاف المعارضين وملأ السجون بعشرات آلاف المصريين تجده يتحدث عن مكافحة الإرهاب ويتعاون بذلك مع "محمد بن زايد" ، الرجل الذي يحمل أيضاً في سجله القريب والبعيد مئات الملفات الدموية، ومؤامرات تسببت بقتل وتهجير الملايين.

إنه الزمن المقلوب .!

يحدث في هذا الزمن أن ينجو من "قائمة الإرهاب" بشار الأسد الذي قتل وشرد واعتقل ملايين السوريين وتسبب في خراب البلاد وكذلك الأمر لقتلةٍ آخرين كحسني مبارك وزين العابدين بن علي ونجل القذافي وخليفة حفتر ومحمد دحلان وصولاً إلى نوري المالكي وحيدر العبادي وقادة المليشيات الشيعية الذين استُقبلوا مؤخراً خير استقبال في "بلاد الحرمين" وتجاوزوا بكل بساطة المساءلة عن آلاف القتلى العراقيين وعن جرائم القتل والتعذيب والطحن والحرق والسلخ، التي غصت بها مواقع التواصل.

وفي الوقت الذي يتصدر فيه المجالس من أوغلوا بدماء الناس، ويعيشون أحسن أيامهم، تجد التهمة المجانية " الإرهاب " تلاحق شخصيات ومنظمات ودولاً من باب المعاقبة، ولعل ما جرى ضد قطر مؤخراً ليس المثال الوحيد على ذلك، ففي مصر يرقد أول رئيس منتخب في تاريخ البلاد محمد مرسي داخل السجن منذ سنوات بلا جرم واضح، وفي تركيا التي خرجت من محاولة انقلاب مدبرة تواجه فيها حكومة العدالة والتنمية عزلة من عدة دول أوربية وعربية واتهامات تشبه تلك التي تواجهها قطر ولا تكاد تنتهي قائمة الأمثلة لو قررنا الحديث عن سوريا وليبيا واليمن وغيرها....

لا يقف جنون الزمن الجديد في نسج التهم الباطلة عند المشهد السياسي إذ يتعدى الأمر ليمسَّ الوسط الديني والإعلامي والفني وحتى الرياضي، لطالما كانت الدوافع والأسباب مهيأة لذلك، وهي رفض الانصياع داخل المعسكر المقابل ( البريء من الإرهاب) وفق تشريعات الزمن المقلوب، فعلى سبيل المثال يلاحَق الشيخ يوسف القرضاوي بتهمة الإرهاب لمواقفه من للربيع العربي، فيما يغيب عن هذه التصنيفات مفتي بشار الأسد أحمد حسون عراب الإعدامات الجماعية في سجن صيدنايا ومؤيد مجازر البراميل المتفجرة في حلب.

تلك الموازين العرجاء التي باتت تتحكم في مصائر شعوب بأكملها وتحاول صياغة المستقبل وتغيير التاريخ والجغرافيا والهوية الدينية بحسب هواها، تزيدنا إيمانا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "سيأتي على الناس سنوات خداعات يُصدَّق فيها الكاذب، ويُكذَّب فيها الصادق، ويؤتمَن فيها الخائن، ويُخوَّن فيها الأمين" كما تعزز إصرارنا أنه لطالما ثمة معسكر للشر فإن هناك بالمقابل معسكرا للخير، وأنه لا بد في النهاية من أن تدور الدوائر ولن يصح حينها إلا الصحيح.