السبت 2017/07/15

أيها العرب والمسلمون.. أنتم من عليكم الاحتفال بذكرى فشل الانقلاب !

كانت ليلة نموذجية لمعركة أسطوريةٍ انتصرت فيها أصوات الحناجر والصدور العارية أمامَ نيران الدبابات والمروحيات والطائرات الحربية، بعد إطلالة لا تتجاوز "هنيهةً من الزمن" على شاشة هاتف صغير لزعيمٍ اتهموه بالديكتاتورية وخنق الشعوب.. فما كان من تلكمُ الشعوب إلا أن خرجتْ عن بكرة أبيها شرقاً وغرباً وشمالا وجنوباً ملبية النداء، لتهزمَ حشودها المليونية بساعاتٍ قلائل جميعَ ما حيك و دبر من مؤامراتٍ وخطط ربما خلالَ عقود ! .

تمر الذكرى الأولى لمحاولة الانقلاب الفاشل مع احتفالات عارمة وحشود مليونية تملأ شوارع تركيا لتقول إن صفحة الانقلابات ولّت بلا رجعة ولا مكان لها بعد الآن في هذا البلد العظيم الذي أثبت مواطنوه أنهم خير شعبٍ لخير قائد، لكنني تساءلت لمَ لا يشارك العرب والمسلمون عموماً الأتراكَ فرحتهم بالنصر في هذا اليوم التاريخي، أم يظنون أن الحدث يخص الأتراك دون غيرهم ؟ !

قد يكون فشل الانقلاب أخفى الارتدادات الكارثية والزلازل التي كانت ستلتهم المنطقة لو أنه نجح، فمن الوهم والسذاجة الظن بأن الانقلاب كان يستهدف الرئيس أردوغان أو المقربين منه فحسب، بل كان يستهدف أمةً بأكملها ويسعى إلى تمزيق تركيا الدولة المحورية في المنطقة والتي أثبتت أنها محلُ ثقةٍ لذلك الدور الريادي.

تعالَوا ننظرْ إلى ما حدث من متغيراتٍ في المنطقة بعد الانقلاب الفاشل والدور التركي الذي وقف بوجهها، وإذا ما ابتدأنا من آخر تلك المتغيرات، سنرى ما فعلته تركيا حيال الأزمة الخليجية من دعم قطر والوقوف بوجه الحصار الظالم ضدها الذي دبّرته السعودية إلى جانبِ الإمارات الضليعةِ بشكلٍ مباشرٍ في تدبير ودعم الانقلاب الفاشل بتركيا بملايين الدولارات، ومن المعلوم أن الموقف التركي سياسياً وعسكرياً أحبطَ ما كانت تخطط له تلك الدولتان من الإطاحة بأمير قطر أو استجرار المنطقة إلى حرب بين الأشقاء كانت ستجلب على شعوب الخليج بأكملها الويلات وتدخلها في متاهة لا مخرج لها.

إذا ما عرَّجنا على الجانب السوري فإننا سنجد أن فشل الانقلاب كان له دور أيضًا ربما أدركه البعض لكنْ جهله الكثير، فعملية "درع الفرات" التي أطلقتها تركيا بعد نحو شهر ونصفٍ من فشل الانقلاب، كانتْ حاجزاً منيعاً وجداراً أعاق سلخَ المليشيات الكردية مناطق تسهم في تكوين دويلتِهم بالشمال السوري بدعم وتآمر أمريكي روسي، ولو نجح الانقلاب لما التفت العسكر إلى تلك المتغيرات التي تحدث على حدود بلادهم الجنوبية من تقوية ذراع مليشيا "ب ي د" التي تهدد كلاً من وحدة سوريا وتركيا، ولسحَبَ الانقلابيون أيضاً بساط الرعاية والدعم من تحت الثورة السورية، الأمر الذي قد تطال شظاياه ملايين اللاجئين السوريين الذين قد يكونون الآن يواجهون مصيراً أشد من ذلك الذي يواجهه نظراؤهم في لبنان على يد الجيش ومن تحته مليشيا حزب الله، اللذين دفعوا عشرات العوائل للمغادرة القسرية إلى مناطق الأسد.

ولعل أهم أمر كان سيدفنه الانقلابيون هو "الإسلام" الذي يبدو أن معظم زعماء الدول العربية والإسلامية يستحيون بكونهم مسلمين لدى أي اجتماع لهم مع أي قائدٍ غربي ولا يعتزون بدينهم أو يذودون عنه، وهذا الأمر الذي حافظ عليه الرئيس التركي بشكل أثار حفيظة الغرب مراراً وتكراراً ، ولا يختلف اثنان على أن دولاً غربياً دعمت الانقلاب وكانت ستباركه جميعها لو نجحَ كما فعلتْ مع انقلابِ السيسي، فالدول الغربية لا تريد في السلطةِ رجلاً ينافح عن الإسلام وينتقد سياساتِها، بل تريد لشعوب المنطقة زعماء انبطاحيين يرضخون للغرب ولا يقولون إلا "نعم" جواباً لأي أوامر، ومَن غيرَ أردوغان هاجم دولاً غربية عندما منعت الحجاب في المناطق العامة واتهمها بشكل مباشر بشن حرب  "حملة صليبية" ضد المسلمين، وقال إن قانون منع الحجاب عار على قانونهم وعدالتهم .. هل تجرَّأ أحدٌ من الزعماء العرب يا تُرى على التفكير بذلك لا أقول نطقه؟، من غيرُ أردوغان الذي قاطع ميركل يوماً عندما استخدمت عبارة "الإرهاب الإسلامي" قائلا لها إنه كرئيس مسلم لا يقبل ذلك، هل كان سيفعل ذلك الانقلابيون لو نجحوا حينها أم إنهم سيكونون حكاماً كحكامنا الذين لا همَّ لهم سوى بناءِ البطون والأبدان، والتنازل في المروءة إلى درجة اعتبار دماء المسلمين ماءً، ودماء أي ملةٍ غيرهم دماءً نفيسة ؟ !

لتلك الأسباب وغيرها التي لا يتسع المجال لسردها فإن على العرب والمسلمين في شتى الأصقاع ممن يجلدهم الحاكم ويكمم أفواههم ولا يستقوي إلا عليهم، ألا يكونوا كمن يراقبُ عن بعد، بل عليهم مشاركة الأتراك فرحتهم بذكرى فشل انقلاب دبرت له الكثير من العقول التي لا تريد أن تقوم للمسلمين قائمة من خلال إفناء رجلٍ ودولةٍ يرى فيهما الكثير أنهما قدما للعرب خصوصًا والمسلمين عموماً أكثر ما قدمته لهم حكوماتهم التي تطاردهم وتهجِّرهم، ولا أقول إن هذا مبالغة أو إفراط بالمدح لكن ذلك واقع لا ينكره إلا جاحد أو جاهل.